مقالات

افول نجم الصحوة الاسلامية

 

الحلقة الأولى : مقدمة حول صعود ايران وانهيارها

بابكر عثمان

أيا كانت النتائج التي ستسفر عن المواجهة العنيفة بين إسرائيل و ايران ولكن هناك نتيجة واحدة أصبحت مؤكدة على نحو لا يقبل الشك وهي ان ايران فقدت او ستفقد نفوذها في العالم العربي الى عقود قادمة اخري وان ما بات يطلق عليها الصحوة الإسلامية قد انهارت بسبب فشل الجماعات التي تبنت هذه الشعارات في الحفاظ علي مقدرات الشعوب العربية، واوردتها موارد التهلكة.
برز مصطلح الصحوة الإسلامية الي السطح في مطلع الثمانينيات عقب نجاح ما اطلق عليها الثورة الإسلامية في ايران ١٩٧٩ وهي الثورة التي نتج عنها قيام نظام إسلامي متشدد يقوده رجال الدين الشيعة.
كان يمكن لهذه الثورة ولهذا النظام ان يعيدا ايران الى حضن العالم العربي لولا ان النظام رفع شعارات تصدير الثورة وجعل من سفارات ايران في الدول العربية وغير العربية اوكارا لتنسيق الاعمال المعادية للأنظمة الحاكمة وادي ذلك الى مواجهات وحروب عنيفة ( الحرب العراقية – الإيرانية ١٩٨٠ -١٩٨٨ ) وقطعت دول عربية عديدة علاقاتها مع ايران ( مصر – العراق – السعودية – الكويت – البحرين ) كما قطع النظام الإسلامي علاقاته أيضا بدول غربية وفي مقدمتها ( الولايات المتحدة – المملكة المتحدة – المانيا )

بث نجاح الثورة الإسلامية في ايران الروح في الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي والعالم العربي على وجه الخصوص مثل حركة الاتجاه الإسلامي في السودان وحركة النهضة في تونس وحركة الاخوان المسلمين في مصر ونشأت حركات إسلامية جديدة بدافع من هذه الثورة مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.
وتم تسويق الثورة الإسلامية كأعظم ثورة للمستضعفين المسلمين في القرن العشرين ورافق الامام الخميني في رحلة العودة الى طهران على متن طائرة فرنسية الصحفي الإسلامي المشهور فهمي هويدي، والذي كتب فيما بعد مقالات عديدة ينتقد فيها توجهات النظام الإيراني السياسية.
فيما أشار راشد الغنوشي مؤسس وزعيم حركة النهضة الإسلامية بتونس إلى أن الثورة الإسلامية في إيران وقيمها ساهمت، وأثّرت على تطور المسار الفكري لحركته ويقول في كتاب له بعنوان “من تجربة الحركة الإسلامية في تونس”: “جاءت الثورة الإيرانية لتعطينا بعض المقولات الإسلامية التي مكنتنا من أسلمة بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية… ورأينا في الثورة الإيرانية شيخاً معمماً استطاع أن يقود ثورة المستضعفين ضد نظام مستبد عميل للإمبريالية وضد طبقة رأسمالية متعفنة) ويضيف ( أهم ما قدمته الثورة الإيرانية لنا كان مقولة الصراع بين المستضعفين والمستكبرين، وهي ترجمة أخرى للصراع بين الفقراء والأغنياء للصراع الطبقي، ولكن في إطار إسلامي أشمل وبمصطلحات إسلامية.)

اما في السودان فقد تأثرت حركة الاتجاه الإسلامي التي يقودها الدكتور حسن الترابي بشدة بقيام الثورة الإسلامية في ايران وانفعلت بشعارات الثورة ، ويبدو ان الانقلاب الذي خططت له ونفذته الجبهة الإسلامية بعد عشر سنوات من نجاح الثورة الإسلامية كان يستمد قوته ومشروعيته من نجاح الثورة الإسلامية في ايران ، حتي ان الترابي انتقل بالبلاد في اتجاه تطبيق المفاهيم السياسية والعسكرية الإيرانية ، فأنشأ الدفاع الشعبي على غرار الحرس الثوري ، والشرطة الشعبية والمجلس الاربعيني على غرار لجنة تشخيص النظام ، ولفترة طويلة رفض الترابي ان يشغل منصبا دستوريا واصبح بمثابة مرشد النظام على غرار. المرشد الأعلى الإيراني ولاحقا عندما اصبح رئيسا للمجلس الوطني البرلمان ( ١٩٩٦-١٩٩٩ ) كان هدفه من ذلك ان يتم جعل البرلمان هو الجهة الحاكمة وان يجعل من ريس الجمهورية مجرد رئيس دون صلاحيات ، فطرح تلك التعديلات الدستورية والتي كانت سببا في شق صف الحركة الإسلامية وادت الى عزله عن السلطة فيما سميت بقرارات رمضان ١٩٩٩ حيث اعلن البشير فرض حالة الطواري و حل المجلس الوطني.
اذن مع مطلع الثمانينيات تبلورت الصحوة الإسلامية ولكن الان وبعد نحو نصف قرن يمكن القول دون مواربة ان الجماعات الإسلامية والتي رفعت شعارات (الإسلام هو الحل ) قد حلت نفسها وتوارت عن الحكم ، ليس لأن قوى معادية ناصبتها العداء ولكن لأنها فشلت في الحكم .

لقد أعلنت جماعة الاخوان المسلمين في مصر عن حل نفسها وقالت انها ستتجه للعمل الدعوي والخيري وذلك بعد نحو اثنتي عشر عاما من فقدانها للسلطة وخروج ملايين المصريين ضدها، وفي السودان وعقب المفاصلة عام ١٩٩٩ انهار شعار الإسلام هو الحل وتخلى النظام الإسلامي الحاكم عن مشروعه الحضاري وتحول الى زمرة من اللصوص ، وفتح كل أراضي البلاد الى التفتيش الأمريكي الصارم، وتخلى عن جنوب السودان برعاية أمريكية في محاولة للحصول على مشروعية أمريكية لم يحصل عليها ابدا، وفي نهاية المطاف خرج ملايين السودانيين الباحثين عن لقمة العيش والكرامة الى الشوارع في جميع انحاء البلاد في عام ٢٠١٨ ونزعوا عن النظام مشروعيته الأخلاقية والإسلامية.
الحلقة القادمة ،، الغوص عميقا في توجهات الحركات الإسلامية وعلاقاتها مع ايران

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى