النازية الإسلامية

بابكر عثمان
عانت اروبا خلال القرن العشرين من ثلاثة أفكار تحولت فيما بعد الي منظمات وأحزاب حاكمة هي الماركسية (روسيا وشرق اروبا) – النازية (القومية الاشتراكية في المانيا) والفاشية (إيطاليا)
وكانت النازية (ادولف هتلر) في المانيا، أشدها وطأة، وانتهت تلك المنظمة عندما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتحار هتلر وتقسيم المانيا ودمارها و٢ مليون امرأة المانية مغتصبة.
وما لا يعرفه كثيرون ان قوات الحلفاء ممثلة في قوات أمريكية ما زالت تعسكر في المانيا لحماية هذه البلاد من عودة النازية، وعندما وصل دونالد ترامب الي السلطة عام 2016 قرر تخفيض القوات الامريكية من 40 ألف جندي الى 25 ألفا ولكن جاء الرفض والاحتجاج من الحكومة الألمانية التي رأت ان (مجرد التفكير في تخفيض تلك القوات هو استهتار بأمن المانيا والديمقراطية المهددة باستمرار) تصريح لـ انجيلا ميركل
بدأت النازية كفكرة عنصرية من خلال تأسيس الحزب الاشتراكي القومي ( النازي) 1918 بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الأولى، انضم اليه ادولف هتلر في عام 1920 ولكنه سرعان ما أصبح زعيما له عام 1921 وذلك بفضل قدراته الخطابية ولكنه حول الحزب الي منظمة تعتمد التدريب العسكري للشباب وتحتقر الأحزاب والمنظمات الأخرى، وعندما أصبح مستشارا لألمانيا بفوزه في الانتخابات عام 1933، حل الأحزاب الأخرى والغى الديمقراطية وأعلن نفسه مستشارا مدي الحياة، وانتهت تلك الرحلة التي استمرت 12 عاما بدمار كامل لألمانيا، وانتحاره.
مناسبة هذا البوست هو شروعي في قراءة كتاب (الإسلاميون السودانيون – 1969 -1989) والذي أعده الإسلامي الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين.
سنكتشف من خلال قراءة هذا الكتاب التوثيقي النادر كيف ان التنظيم الإسلامي الذي قاده الدكتور حسن الترابي بعد ثورة أكتوبر 1964 لم يكن سوي نسخ بالمسطرة لتجربة الحزب القومي الاشتراكي (النازي) في المانيا، وهي تدريب الشباب على حمل السلاح
الاستيلاء علي السلطة بالقوة
تغذية عقول الشباب بالأفكار المتطرفة (دينية او شعوبية)
احتقار التنظيمات الحزبية الأخرى،
توسيع المجال الحيوي للدولة (عزو الدول الأخرى المجاورة تنظيميا أو عسكريا)
التجربة الاولى
في عام 1970 انضم شباب إسلامي الي الامام الهادي المهدي في الجزيرة أبا وخاضوا معه تمرده على جعفر نميري وانتهت بمقتل احد ابرز قادتهم ( الشهيد محمد صالح عمر ) وهروب مهدي إبراهيم ( سفير ووزير دولة بالخارجية لاحقا )
التجربة الثانية
أما العمل التنظيمي والعسكري الأكبر هو الانضمام بالمئات الى معسكرات الجبهة الوطنية في ليبيا ( 1974-1976 ) وهو تحالف عسكري ضم الاتحاديين ( الشريف حسين الهندي ) والانصاري ( السيد الصادق المهدي ) والإسلاميين ( د.حسن الترابي ) لإسقاط نظام مايو ( جعفر نميري ) عسكريا ، وقد جرت المحاولة بالفعل في 2 يوليو 1976 فيما سمي (غزو المرتزقة ) والتي انتهت بمقتل المئات من الأنصار والاتحاديين والاخوان المسلمين، وكان من ابرز الإسلاميين الذين قتلوا هو عبدالاه خوجلي (الأخ الأكبر للصحافي حسين خوجلي) وهروب غازي صلاح الدين و إبراهيم السنوسي واللذين اصبحا فيما بعد من قادة نظام الإنقاذ.
لقد واجه تنظيم الحركة الإسلامية القوات المسلحة في عدة مرات، مواجهات عنيفة، كما في عام 1970 (أحداث الجزيرة أبا ) وفي الخرطوم عام 1976 ( غزو المرتزقة ) ولكنهم بعد ذلك عدلوا من استراتيجيتهم وقرروا التصالح مع نظام مايو (1977 ) واختراق الجيش وإدخال عناصرهم او تجنيد عدد من الضباط العاملين فيه، كما قرروا في عام 1978 تشكيل تنظيم سري للاستيلاد على السلطة بالقوة ( وردت معلومات تفصيلية عن هذا التنظيم في كتاب د.عبدالوهاب الأفندي – الإنقاذ والإصلاح السياسي في السودان 1995 )
التجربة الثالثة والناجحة
تمكن تنظيم الحركة الإسلامية من الاستيلاء علي السلطة في عام 1989 وحل الأحزاب الأخرى و زج بقادتها في السجون، وفتح مراكز سرية للاعتقال سميت ب (بيوت الاشباح) والغي الديمقراطية وفتح معسكرات التجنيد للشباب فيما سميت ب معسكرات (الدفاع الشعبي) واعلن معاداته لدول الخليج (السعودية – الكويت ) وللغرب ( الولايات المتحدة – بريطانيا ) وللمعسكر الشرقي ولدول الجوار ( مصر – ارتريا – تشاد – كينيا – أوغندا ) وتحالف مع أنظمة إرهابية (ليبيا – ايران).
كان الدكتور حسن الترابي خلال عشر سنوات هو الأب الروحي للنظام وكان أولئك الشباب الذين انتظموا في معسكرات التجنيد خلال عقد السبعينيات تاركين دراستهم الجامعية ممن وردت أسمائهم في كتاب الدكتور عبدالرحيم عمر محي الدين هم من أسسوا لنظام الإنقاذ ثم تقلد معظمهم وظائف عسكرية وأمنية وسياسية رفيعة خلال عشرين عام أخري من عمر ذلك النظام، فيما سيكمل أبنائهم واحفادهم مسيرة تحطيم السودان خلال السنوات القادمة.
الأفكار لا تموت
فالنازية التي ارادت أن تنهض بألمانيا ساهمت في تحطيمها وانتهت بدمارها واغتصاب نسائها، والآن لا يخشى معظم الشعب الألماني من شيء سوى خشيته من انبعاث الأفكار النازية مجددا، فالنازية ليست تنظيما يمكن هزيمته فيتلاشى ولكنها فكرة خبيثة يمكن ان تنهض من جديد،
أما عن تنظيم الحركة الاسلامية في السودان وتجربته الطويلة في الحكم والمستمرة الى اليوم ، فالحكم عليه متروك لكم قرائي الأعزاء.