مائة عام من الفشل القومي

بقلم / بابكر عثمان
مرت مائة عام منذ قيام حركة 1924، تلك الحركة التي نتجت عن قيام شباب مصري باغتيال السير لي استاك سردار الجيش المصري وحاكم عام السودان في القاهرة، وما تمخض عن ذلك الاغتيال من عقوبات بريطانية على مصر ومن بين تلك العقوبات طرد الجيش المصري من السودان، تمرد على إثرها ضباط سودانيون يخدمون في الجيش المصري في الخرطوم احتجاجا على ذلك القرار.
وكان ذلك التمرد أول الخيبات، حيث خرج الجيش المصري من محطة بحري مستغلا القطار وترك خلفه شباب سودانيين تحت الأنقاض دون ان يطلق رصاصة واحدة دفاعا عنهم.
وتعاقب خلال هذه المائة عام ثلاثة أجيال من القادة السودانيين الذين خضعوا بشكل أو آخر للنفوذ المصري ولم يفلح أحد منهم في ان يصبح زعيما قوميا للبلاد.
لنبدأ بذكر خيبات زعمائنا وهي خيبات مشهودة وتكشف دون ريب بأن من تولى أمور بلادنا لم يكن من بينهم من يمكن أن نطلق عليه بطلا قوميا.
إسماعيل الأزهري 1954-1957
صرح في فبراير بعد ان فقد السلطة في عام 1958 لصحيفة الأهرام المصرية انه يعارض بشدة مشروع المعونة الأمريكية للسودان وهو المشروع الذي كان من شأنه ان يغير مصير البلاد للأبد ويخرجها من ربقة الفقر ومن الهيمنة المصرية على مصيره،، وعندما خرجت الجماهير الغاضبة من الحكم العسكري في أكتوبر 1964، شوهد الأزهري وهو يسقي حديقته المنزلية ولم يشارك الجماهير غضبتها، ولكنه شارك لاحقا في حكم البلاد وحين مات وهو في السجن عام 1969 تمت الإشارة اليه بصفته أستاذا سابقا في المدارس الثانوية.
الفريق إبراهيم عبود -1958-1964
باع ارضا غالية من البلاد لصالح بناء مشروع مصري (السد العالي) ولم يقبض سكان حلفا (المدينة الغريقة) جنيها واحدا مقابل أراضيهم ونخيلهم و ذكرياتهم وتراثهم الموغل في الحضارة وجرى طرد أولئك السكان الى منطقة قاحلة في الشرق، كما لم يقبض السودان (الدولة) سوى الخيبة.
تنازل عبود لاحقا عن السلطة بعد ثورة شعبية في مقابل منحه حصانة من المحاكمة.
الصادق المهدي (1966- 1967) ٠ 1986-1989
أغرق البلاد في الخلافات، ولم تشهد البلاد خلال عهده حتى افتتاح مدرسة ابتدائية واحدة، ثم تولى السلطة بعد ذلك بعشرين عاما 1986 – 1989ولم يتمكن ابدا من تجاوز خيباته السابقة كما لم يتمكن ابدا من التصدي للانقلاب على سلطته وتم القبض عليه بعد أسبوع من انقلاب الحركة الإسلامية وهو يحمل ورقة هزيلة في يده يدعو فيها للتحاور مع مغتصبي السلطة قائلا (معنا الشرعية ومعكم القوة) مزق العساكر تلك الورقة وزجوا به في السجن.
جعفر نميري 1969- 1985
أغرق البلاد في الديون، وحطم اقتصادها بالتأميم وكان خاضع تماما للهيمنة المصرية، تأرجحت في عهده البلاد من اليسار الي اليمين ومن اليمين الي التطرف الإسلامي، مصحوبا بالاستبداد، وثبت لاحقا انه كان يعاني من مشاكل عقلية، وعندما حانت لحظة انهيار نظامه لم يجد أحدا يقف الى جانبه، بما فيهم حلفاؤه المصريون الذين لم يفعلوا شيئا سوي حمايته من المحاكمة.
عمر البشير 1989-2019
بسبب كل تلك الخيبات، تهيئت البلاد الى الولوج الى أسوأ مراحل تاريخها الحديث، عندما تحركت كتائب الحركة الإسلامية في ليل التاسع والعشرين من يونيو 1989 تحت غطاء ضباط متآمرين من القوات المسلحة وحكمت البلاد بواجهة عسكرية لمدة ثلاثين عاما، حكما عسكريا موغلا في الاستبداد والتخلف، فأغرقت البلاد في موجة عنيفة من الفقر والمذلة والحروب الإقليمية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، ولم يكن المشير عمر البشير سوى رجل تبرأ الرسول (ص ) من أمثاله ، عندما سئل هل يكون المؤمن كذا وكذا وكذا وكان يجيب بنعم ولكن عندما سئل هل يكون المؤمن كذابا فقال بحزم ( لا )
تمت اقالته في ابريل 2019 بعد ثورة شعبية عظيمة وحُكم عليه بالسجن عامين على جرائم تافهة ارتكبها خلال سنوات حكمه.
عبد الفتاح البرهان 2019-
أما هذا الحاكم والذي جاء في غفلة من الزمن، فتلك قصة أخرى، فهو من جر البلاد من أذنيها لتنحني مجبرة للحرب.