وترجل عبدون نصر عبدون…

بقلم : صلاح شعيب
وترجل عبدون نصر عبدون…
عمر عبدالله محمد علي
٢٧ أغسطس ٢٠٢٣
للحديث والكتابة عن عبدون نصر عبدون، شاقة لدرجة أنها تشق القلوب، وتشقي النفوس والأرواح. لأنها كتابة عن أديب امتلك مفاتيح الأدب ونواصي الكلم والعلم والمعرفة.
عرفت الراحل عبدون وأنا طفل، لم أبلغ السادسة من عمري. فقد كانت في إحدى صباحات مدينة كوستي الوارفة، أنني سمعت طرقا خفيفا على باب منزلنا. فهرعت إلى الباب وفتحته. فوجدت أمامي فتا غريرا، سمح السمت صبوح الوجه. يرتدي قميصا ناصع البياض ورداء كاكي ويحمل حقيبة على يديه. عرفته، قبل أن يلقي عليّ التحية. فقد كان طالبا مجيدا في مدرسة كوستي الأميرية. بعدها سألني،
“يا عمر، ابوك صاحي”.
أجبته، لا.هو نائم
فقال لي ، “بعدما يصحى قول ليهو جدك حاج إبراهيم اتوفى”.
. لم أنس ذلك أبدا.
2
غير صلة القرابة، فهو خالي وعمي وأخي الكبير، وحبيبي وصديقي. كنت أحرص لزيارته كلما قدمت للسودان، من هجرتي. فأجده، نفس عبدون الذي تركته، صابرا وساخرا من كل شئ أمامه. فقد كان عبدون نبراسا ومشعلا يضئ جوف ظلام الجهل والتخلف. كنا نحتفي به، ونعده أحد رموز الأدب والعلم والتواضع.
في جلّ أحاديثه معنا، لم نر فيه استعلاء أو أستاذية. بل كان يقدم لنا، أطروحاته ومداخلاته كأنها نابعة منّا.
ونحن مازلنا في ميعة الصبا، كان يحدثنا بشغف بالغ، عن ناصر و أم كلثوم والقومية العربية.
وحتى عن صراعات مصطفى وعلي أمين، مع فطحل كاتب الثورة المصرية، محمد حسنين هيكل.
عرفنا، عن طريقه السادات والشافعي وخالد محي الدين وعلي صبري وشعراوي جمعه وحتى سامي شرف.
عبدون نصر، كان أيضا لاعب كرة حاذق. تحتفي به فرق مدينة كوستي. ومع أنه لم يواصل المسيرة، في هذا المجال إلا أنه، كان له قدم فضل، في صعود فريق حيّهم إلى الدرجة الأولى؛ فريق الشاطئ. هو وقريبيه عصام بلاستيك و صديق ابو كريمة.
3
عبدون نصر، كان عندما يتحدث عن أصدقائه ومعارفه كان يختطف سمعك وانتباهك. بحديث دسم، مترع بالشجن. لا يترك لك أي خيار، غير أن تستمع له بكل جوارحك.
فقد كان عبدون من الأوفياء الأولياء، للصحاب والأصدقاء. فلا غرابة أن ينعيه كل محبيه وعارفي فضله. فقد، ضجت سوح الاسافير وأغرقت ساحاتها بخبر رحيله وترجله، بعد أن عمّ الدمار والقبح سودانه الحبيب. الذي لم يزل يعشقه، ويغني له رغم الإحن والمصائب، التي طالته. و كان لفقد أخيه الأصغر الضابط نزار نصر عبدون، ثم والدته فاطمة حسن النور، فاجعة قاسية على قلبه الحنون.ظلت تثقل عليه طيلة حياته. فكتب وتحدث عنهما حتى آخر أيام مرضه. وقد كانت والدته فاطمة حسن النور، شاعرة وأديبة نال منها السند والمدد. أما والده، معلم نصر، الذي كتب عنه كثيرا، فقد تعلم منه معنى الجسارة والطموح. وكان قد فتح له بصيرته على العالم الخارجي منذ صغره؛ عندما كان يستمع معه لراديو هيئة الإذاعة البريطانية وصوت العرب في صباحات مدينة كوستي المشرقة. وكان معلم نصر، يحتفظ بشهادات ابنه النابغة، عبدون في حرز أمين. شاهدتها مرة. كانت كل شهاداته، إحرازه المركز الأول، في كل المدارس التي درس فيها.
4
درس عبدون نصر ونجح نجاحا باهرا، مكّنه من دخول كل الجامعات التي يريدها. فأختار جامعة القاهرة. ولما لا، فقد كانت قبلته لموطن بطله، عبد الناصر؛ الذي ظل يتحدث عنه كثيرا. درس عبدون الطب حتى السنة الرابعة ثم تركه ليتفرغ لحبه الذي ملك فؤاده، الأدب والكتابة.
ستظل السيرة العطرة لحبيبنا وأخونا الأكبر، عبدون نصر عبدون باقية فينا وفي غرسه، أبنائه وبناته.
نعزي ونعزى نحن، في فقدنا الجلل، عبدون نصر عبدون الرائد البطل. وحار عزاءنا لأسرته الكريمة ولشقيقه الفاضل محمد المهدي ولشقيقاته الفضليات بدرية ونفيسه وثريا ونادية وسهام وإلهام ولأسرة المرحوم نصر عبدون وأسرة المرحوم حسن النور، في هذا الفقد الكبير. ونتضرع من الله الكريم اللطيف أن يتقبل فقيدنا عبدون عنده أحسن القبول مع الأخيار والصديقين وأن يحسن أليه ويكرمه عنده مع المكرمين إنه سميع مجيب الدعاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.