
إهراماتُ الشيخة موزا بت ناصر ومركز الموسيقار مُحمّد وردي
بقلم/مُحمّد عُكاشة
لم يكُ مُحمَد وردي مُطرباً ومُوسيقاراً عَبقريّاً فَحسب وإنما كانَ (مُثقفاً ) عُضويّاً لا يَنفصلُ عن القَضايا الوطَنية والقومية.
البروفسُور مُحمَد ابراهيم أبو سليم وآخرينَ مَعهُ كانوا علي إهتمامٍ مُتعاظم بإعادةِ قراءةِ وكتابةِ تاريخِ السُودان علي نحوٍ جديد ليقضي ( أبَاسليم ) عُمرَه في (حفريات ) مُضنيةً يبحثُ ويكتبُ ويستوثقُ لايَني جُهده ولا تُوهنهُ كلالةً عن البحثِ والتدقيق بيّدأنَ الدكتور جون قرنق دي مابيور قامَ إلي (العمل ) برؤيته نحوَ مشروعِ السُودان (الجديد ) وقَضي نَحبُه في سبيله.
مُحمَد وردي سَعدتُ بتكليفهِ قُبيلَ وفاته بتسجيلِ فيلمٍ وثائقي عن مَسقطِ رأسه (صَواردة ) يَبتدرُ به مشروعه للتوثيقِ لحضارة النوبة وبعثُ لُغاتِها وألسنتِها لفكِ مَرموزاتُ الكنوز والآثار وتاريخُ القرون الأولي علي إمتدادِ نهرِ النيل في مناطقَ المَحس والسَكوت وحلفا وهو يُزمعُ تأسيسَ مركزٍ لدراساتهِا وتأريخها وحضاراتِها.
الاستاذ ياسر سَعيد عرمان يَصطحبنُي مَعيةَ دكُتور جون إلي أستاد المقاولون العرب بالقاهرة في نُوفمبر 2006م لحضورِ تمرين الفريق القومي وهو يَستعدُ لمباراةٍ حاسمة.
عرمان يُحدثُني وبعضُ الصِحافيين المِصريين يومَئذٍ عن السُودان بأنَ أي إنتقاصٍ من حَقائقهِ ( تاريخياً ) سيؤدي إلي تَشرذُمهِ (جًغرافياً ) ثُمَ هو يؤكدُ بعدَ سنواتٍ بمرسمِ عِصام عبد الحفيظ بالخُرطوم تلاتة عن إختيارهِ إهراماتُ البجراوية مُنطلقاً لحملتهِ للرئاسة حيث تداعي لنداءهِ المثقفون والمُبدعون ووسائلُ الإعلام وتدافعوا إليها -البجراوية- في صبيحةَ 13مارس2010 ليُقدمَ مُرافعةً تاريخية وميثاقاً ثقافياَ ومَبحثاً جَامعاً اقتطف منه:-
( لماذا البجراوية؟ أتينا إلي البجراوية لأننا دُعاةُ تغيير، والتغييّر الذي لايستندُ علي الثقافة وينحازُ للمُبدعين لاسيقان له، والسُلطةُ التي لا تعي قيمة الثقافة والإستنادُ عليها بمعرفة ووعي لبناءِ المشروع الوطنى لاملجأً لها، أتينا إلي البجراوية على خُطي بحارةٍ فينقيين حينما يَصلون الى المرافئ والموانئ فإن أولَ مهامهم ربطُ السُفن إلي أوتادِ المراسي حتي لا تاخُذها المياه وتجرفُها بعيداً فإننا أتينا إلي البجراوية لبعانخى وتهراقا لربطِ سفينةِ بلادنا الى عُمقِ التاريخ حتى تصعدَ أعالي بحارِ تاريخنا وتتجهُ نحوَ يومنا الراهن في وحدة من التنوع التاريخى والمعاصر تعتزُ بالقديم والجديد (الماعندو قديم ماعندو جديد) كما يقولُ عامة السودانيين، فنحن أتينا من هنا ومن هناك من أولاء وأولئك،والشخصيةُ السودانية تكونت عبرَ حقب التاريخ وأخذت منها جميعاً وإن تجزئتها وتشويهُها وعدم الإعتراف بكل العوامل والعناصر والمكونات التى ساهمت فى تكوينها هو خطأ دفعت بلادنا ولا تزالُ ثمنُه فى وجه الهوس الذي لا ينظرُ إلي قيمةِ تاريخنا التي لا تُقدرُ بثمن علي أنها مجموعةٌ من الأصنام يجب طَمهرُها وغَمرُها بالمياهِ والغُبار الناعم والخشن.
هذه النظرةُ لم تبدأُ مع الإنقاذ بل قبلها بكثير ولكنها مع الإنقاذ وصلت مرحلة الطَالبانية والإبادة الثقافية (الآحادية ) التي تَهدمُ المعبدَ فوق رؤوس الجميع.
اتينا إلي هنا فى أملٍ جديد للإحتفاءِ والتصالحِ مع ذاتنا ومع ثقافاتنا والإعتزازِ بتاريخنا ومسيرتهِ الطويلة ولو تمَ قطعُ نهرِ النيل فى أيٍ من مسيرته الطويلة لما تمتعنا بجمالِ هذا النهر عبر مسيرته الطويلة.. )
هذه الوثيقةُ للأستاذ عرمان ليست خطاباً سياسياً لمن إطلع عليها كاملةً وإنما هي خريدةٌ ومخطوطةٌ من النفائسِ حول قيمةِ تُراثنا وحضارتنا وأكادُ أجزمُ بأن مسئول الآثار الآن لم يطلع عليها لإنشغالهِ وهو يُحاصصُ نفسُه (فكرياً ) حول التماثيل والتصاوير والقباب.
صاحبةُ السُمو الشيخة موزا بنتُ ناصر تهبطُ بلادنا ذاتُ شمسٍ مُشرقة وصباحٍ جميل مَطلعِ العام 2017م في زيارةٍ ميدانية لمشاريع مؤسستي ” التعليم فوق الجميع ” و”صلتك” التي تتولي رئاستهُما، وهما يُعنيَان بنشرِ التعليمِ ومُكافحةُ البطالة.
هي برُغمِ برنامجها ووقتَها المُزدحِم إلا أنها حَرِصت علي زيارةِ الآثار الحَضارية في بلادنا فهي تُدركُ قيمةَ وأهميةَ (البجراوية) وإهراماتها وجِدارياتها وهذهِ تُعتبرُ زيارةً من الوزن الثقيل تستلفتُ نظرَ الجهاتِ المُختصةِ وإعلامنا للإستفادة من حِزمة الضوءِ السَاطع الذي كَشفتهً صاحبةُ السمو للترويجِ السياحي لحضارتنا نحتفي بها ونعتدُ بذاتنا (الحضارية ) هوناً ما.
الصكْ الذي مَنحتُه الشيخة موزا للجهاتِ المُختصةِ تَعدُ بدعمِ كلَ جَهدٍ يُبرزُ وجه الحضارةِ والآثار السُودانيِة يُضيعُه هؤلاء هَباءً.
مَشروعُ الفِرعونُ النُوبيُّ مُحمَد وردي مِثلهُ علي الرُغمِ من قُدرةِ مجموعة دال علي استكمالهِ تَتويجاً للمِهرجان الضَخمْ الذي أطَلقهُ السيّد أسامة داؤود في مَدينةِ حَلفا التاريخيةُ قبلَ بِضعةِ أعوامٍ حَشدَ لهُ أهلُ حضارةِ النوبةِ من مصرَ في مَلحمةٍ بَديعة.
مشروعُ مُحمّد وردي يجبْ أن يتَشاركَهُ النوبيّون شمالاً وجنوباً حتي لاتندثرَ لغةٌ قديمةَ وحَضارةٌ تلَيدةٌ تُطمرُ مثلَ المَدينةُ ذاتُ الشواهدُ والآثارُ والكنوزُ النَفيسةُ.