تقارير وحوارات
أخر الأخبار

بابكر عثمان يكتب:- الشيخ عبدالله البدري.. اللقاء الأخير

اللقاء الاخير

بقلم/بابكر عثمان

 

مرت علينا قبل ايام الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشيخ عبدالله البدري ( 10 سبتمبر 2021 ) ربما لا يعرف كثير منكم الشيخ البدري ، وربنا يكون من الصعب أن أشرح من هو الشيخ عبدالله البدري ولكن دعوني اذكر ما قاله السيد باري جوسي رئيس مجلس ادارة معهد جوسي للسلام في الفلبين عند حضوره الى السودان وزيارته الى القدواب في بربر خصيصا لزيارة الشيخ البدري في مجلسه في سبتمبر 2016 ، ( انه من نوع القادة المحليين الذين نبحث عنهم لتكريمهم )

 

في ذلك العام وكنت عضوا في المكتب الاقليمي في الدوحة لجائزة جوسي للسلام ، وهي ارفع جائزة اسيوية تقدم لرجال ونساء خدموا مجتمعاتهم واسهموا في تقدمها ، وكنا قد راسلنا الشيخة امل ال خليفة في البحرين وتأخر ردها ، وانا جالس في المكتب مع السيد علي عفيفة رئيس المكتب تذكرت فجأة الشيخ عبدالله البدري، وشرحت في اقتضاب من هو الشيخ البدري، لأجد السيد عفيفة متحمسا لترشيحه للجائزة، كتبت سيرة للشيخ عبدالله البدري وارسلتها لمعهد جوسي للسلام ، ليأينا الرد من رئيس المعهد بعد ايام يقول فيها انه موافق على الترشيخ ولكنه يرغب شخصيا في زيارة السودان واللقاء بهذا القائد المحلي ليتأكد من مصداقية الترشيح.

 

تواصلت مع الشيخ البدري لأخبره بأنني رشحته لجائزة اسيوية في الفلبين تُقدم لاشخاص خدموا مجتمعاتهم المحلية وأن رئيس المعهد الذي يقدم الجائزة يرغب في زيارتكم بالقدواب ليطلع على انجازاتكم وليتعرف عليكم شخصيا، وببساطته المعهودة وقلبه الطيب شكرني بشدة ورحب بمفدم السيد جوسي.

 

في طريقه الى السودان توقف السيد جوسي في الدوحة وعقد مؤتمرا صحفيا واعلن فيه ترشيح عدد من الشخصيات العربية لجائزة جوسي للسلام ومنها الشيخ عبدالله البدري من السودان وانه متوجه من هنا الى الخرطوم ، ومنها الى منطقة الشيخ عبدالله البدري .

 

كنت معه والسيد عفيفة في رحلته الى السودان ، وشرحت له ان الشيخ البدري يرغب ان يلتقي به في الخرطوم لان مدينته تبعد نحو 350 كليومترا شمال الخرطوم ولكن السيد جوسي قال انه يرغب بشدة في زيارة هذه المنطقة ، وفي مساء يوم وصولنا الى الخرطوم نظم الشيخ البدري حفل استقبال في فندق السلام روتانا ، حضره عدد من كبار الشخصيات ووسائل الاعلام واعلن خلاله السيد جوسي ترشيح الشيخ البدري لارفع جائزة اسيوية ( جائزة جوسي للسلام ) ومن الخرطوم انتقلنا بالسيارات الى القدواب في بربر ، لنجد مئات الأشخاص في استقبالنا ، وقضى جوسي يومين في ضيافة الشيخ البدري وهناك طاف على جامعة الشيخ البدري ، كما بارك اطفال المدرسة الابتدائية التي يرعاها الشيخ البدري ، واطلع عن كثب على التأثير الكبير للشيخ البدري ليس في منطقته فقط ولكن في كامل اقليم نهر النيل وعدد من الاقاليم الاخرى ، حيث يقدم مئات المنح لطلاب من دارفور وشرق السودان للدراسة المجانية في واحدة من الجامعات التي تقدم العلم الحديث.

 

بعد نحو شهرين كان الشيخ البدري برفقة نحو ثمانين شخصا في مانيلا عاصمة الفلبين لاستلام جائزة عالمية، جاء في تقدميها له نظرا ( للخدمات التي يقدمها للانسانية ولاسهامه في توفير العلم والمهن الكريمة لالاف الاشخاص في السودان وبعض دول الجوار) كان حفلا باهرا ضم نحو 5000 شخصا من جميع انحاء العالم برعاية الرئيس الفلبيني وعزف فيه النشيد الوطني السوداني ورفعت فيه اعلام السودان لحظة صعود الشيخ عبدالله البدري للتكريم.

ظل الشيخ البدري يذكر هذا التكريم خلال اللقاءات التي جمعتني به خلال السنوات الخمس اللاحقة قبل وفاته وكان آخرها في صباح اليوم الذي غادر فيه الى الامارات للعلاج في اغسطس 2021 ، كان لقاءا مفعما بالعواطف والتي جعلت الدموع تسيل من عيوني دون توقف وانا استمع الى كلماته الاخيرة لي ( انا متألم شديد يا ولدي )

 

كانت رفيقة عمره السيدة سعاد قد رحلت عن دنيانا فجأة قبل ذلك التاريخ بنحو ثمانية شهور ( ديسمبر 2020 ) احتضني الشيخ بكلتا يديه وهو يودعني ، خرجت من غرفته مسرعا وانا اكفكف دموعي ، وكانت تلك المرة الاخيرة التي اراه فيها.

 

لم تفقد القدواب شيخها وقدوتها ولكن السودان فقد نموذجا ، لرجل كرس وقته وثروته وعلمه وعلاقاته لخدمة مواطنيه، حيث بنى منظومة تعليمية تبدأ من الروضة وتنتهي الى الجامعة وتلك قصة اخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى