تقارير وحوارات

عبدالمنعم الكتيابي يكتب:-البحثُ عن مقهى

بعد عناء يوم ٍ مرهقٍ من العمل والتفكير شعرت بأنني في حاجةٍ إلى مكانٍ ألم فيه شتات نفسي بعيداً عن الالتزامات الاجتماعية التي لا تنقضي إلا لتبدأ من جديد من زيارات المرضى إلى حضور مراسم احتفالات الزواج إلى تقديم العزاء بجانب الهموم اليومية العادية التي يأخذ البيت فيها بتفاصيله الدقيقة نصيب الأسد .

ولكي أحقق هذا المطلب استعرضت في ذاكرتي خارطة المدينة بحثاً عن مقهى أمارس فيه خصوصيتي دون إثارة فضول المراقبين من البسطاء الذين يطرحون أسئلتهم حول كل شيئ ( لم يجلس وحده ؟ ) (ربما يكون في انتظار شخصٍ ما ) وقد يبني البعض برنامجه على وجودي هناك وأسبابه وذلك لأن كل الأماكن المتاحة لا تحتمل وجودك منفرداً فهي إما كافتريات أو مطاعم أو حدائق لها مواصفات سابقتيها فلذا لزام عليك إذا كنت منفرداً أن تتناول طعامك أو شرابك وتنصرف ، فيما عدا ذلك أنت مثير للريبة بأي حال .

ولأننا نفتقد المقهى في المدينة يشق عليك أن تجلس منزوياً في تلك الأماكن فقفز إلى ذهني مباشرة سؤال المقهى ومدى تأثير وجوده في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وحضر إلى ذاكرتي مقاهى التوفيقية في القاهرة ، ومقاهي الشام بدمشق ،وباليما والباهية بالرباط ، وكيف صارت هذه المقاهي ملتقىً للمفكرين والأدباء والفنانين و ما توفره لهم من لحظات ملهمة ٍ في أعمالهم الإبداعية

وفوق ذلك يعتبر المقهى مظهرا حضاريا في المدن إذ يوفر لمرتاديه التعرف على المظاهر الاجتماعية ويعكس أوجه الثقافة الشعبية واساليب الحياة كما يتمتع رواده بحرياتهم الشخصية في اطار الجماعة مما يكسبهم دربة على احتراك الآخر ..

ولا أظن أن الأمر يتوقف فقط في ارتياد المقهى على الانتفاع من خدماته المباشرة كالشاي والقهوة وغيرهما وإنما هو سياقٌ ثقافي متكامل ومظهر اجتماعي من مظاهر المدينة و أظننا في أمس الحاجة إليه في غياب الأندية الاجتماعية التي لايرضى جمهورالموجودين فيها حاليا بغيرلعب الورق نشاطاً يمارس ، ونستبعد الأندية الرياضية التي لم تترك لها العصبية مساحةً تُمارس فيها أنشطةٌ أخرى ، إذن المقهى نادي من لا نادي له تستطيع أن تستمتع فيه بوقتك على طريقتك وتقابل فيه من تشاء من الأصدقاء دون بطاقة دخول أو تعقيدات أخرى ، على أقل تقدير تعكس المقاهي وجهاً جمالياً للمدينة أفضل من تلك الصورة التي تعكسها الجلسات الفوضوية التي تحتمل الكثير من التأويل في الأسواق والطرقات العامة ويصيب رشاش الظن بائعات الشاي والجالسين حولهن ويقلل من قدرهن حملات السلطات المحلية

 

عبدالمنعم الكتيابي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى