مقالات

المتظاهرون يفجرون غضبهم أمام الإتحاد الاشتراكي وبنك فيصل الإسلامي

الانتفاضة السودانية 1985 هكذا قامت ،، وهكذا انتصرت

الحلقة السابعة عشر

بقلم / بابكر عثمان

نواصل في هذه الحلقة من انقطع من حديث حول الاحداث المتفجرة والمتلاحقة لانتفاضة مارس 1985 والتي بدأت بمظاهرة طلابية صغيرة في جامعة امدرمان الإسلامية وسرعان ما انضم اليها الشماسة و حولوا مسارها الي سوق امدرمان الشعبي واحرقوا جمعية ودنميري التعاونية وهو متجر ضخم يملكه مصطفي نميري (الشقيق الأكبر للرئيس جعفر نميري)
وفي اليوم التالي غادر نميري الى الولايات المتحدة في رحلة علاج ، بينما استمرت مظاهرات الطلاب
في الانطلاق من الجامعات في ذلك الوقت ( جامعة ام درمان الإسلامية أولا ، ثم كليات السودان للعلوم والتكنولوجيا ثانيا ، ثم أخيرا وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من مارس خرج طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم )

ولكن والي صبيحة ذلك اليوم الخميس الثامن والعشرين من أكتوبر كانت قوات الأمن التي يقودها نائب رئيس الجمهورية عمر محمد الطيب تعتقد جازمة انها تستطيع السيطرة على الوضع ، فأصدرت بيانا اطلقت عليه إذاعة ام درمان التي اذاعته في صباح ذلك اليوم بأنه ( هام ) حول تفاصيل الأحداث التي وقعت يومي الثلاثاء والأربعاء فيما يلي نصه الكامل “في صبيحة يوم الثلاثاء 26 مارس 1985 وعلى إثر القرارات التي اتخذها الرئيس ضد قادة جماعة الإخوان المسلمين تحركت مجموعة من طلبة جامعة أم درمان الإسلامية في مظاهرة بشارع الأربعين بمدينة ام درمان ثم اتجهت لشارع الموردة وسرعان ما اندس في وسطها مجموعة من العاطلين وتصدت قوات الأمن للمظاهرة ففرقتها في حينها الا ان أولئك العاطلين( العاطلون ) حاولوا الاستفادة من تلك الفرصة فجابت فلولهم السوق الشعبي بأم درمان والمنطقة الصناعية وقاموا ببعض أعمال الحرائق للتخريب وفي محاولة للنهب الا ان قوات الأمن تصدت لهم مرة أخرى ،واعتقلت عددا منهم وسيطرت على الموقف. وفي صبيحة الأربعاء 27 مارس تجمع بعض طلبة الكليات التكنولوجية في الخرطوم من العقائديين يقدر عددهم ب 150 طالبا وتسربوا الى شارع علي عبد اللطيف وشارع الجامعة وشارع القصر الى ميدان ابو جنزير والسوق العربي بالخرطوم وتصدت لهم قوات الأمن وقامت بتفريقهم واعتقال عدد كبير منهم. وكالعادة استغل العاطلون الموقف فبدأوا بضرب المارة بالحجارة وشرعوا بعمليات التخريب حيث كسروا عددا كبيرا من عربات المواطنين وحطموا واجهات بعض البنوك والمحال التجارية وسببوا الأذى لعدد من المواطنين وحاولوا إشعال النار في بعض محطات الوقود وكان المتظاهرين ( المتظاهرون ) يقومون بعملياتهم في شكل جيوب تنتشر هنا وهناك وتتفرق حال ظهور قوات الأمن التي تصدت لهم واعتقلت بعض المتشردين وهم يقومون بعمليات النهب كما تم اعتقال عدد كبير من المتظاهرين وشكلت لهم محاكم فورية باشرت أعمالها مساء الأربعاء وأصدرت أحكامها بحق 300 شخص. ان قوات الأمن إذ تطمئن المواطنين بأنها تسيطر على الموقف سيطرة تامة لتعلن انها سوف لن تتردد في التصدي بحزم لكل من تسول له نفسه العبث بأرواح وممتلكات المواطنين وسوف تبدأ حملات فورية لتفريغ العاصمة من كل العناصر المشبوهة التي تسببت في التخريب وفق الأسس الموضوعة حماية للشعب وصونا لمقدراته”.

كان ذلك بمثابة بيان هزيل وملفق، حيث اعطى حركة الاخوان المسلمين مصداقية في محاولة غبية لربط حركة الشارع بهم ، في حين ان جميع اتحادات الطلاب التي قادت تلك المظاهرات لم تكن تحت سيطرتهم ، وبينما كانت إذاعة ام درمان تردد ان هذه الاحداث جرت بعد قيام الرئيس بطرد جماعة الاخوان المسلمين من الحكم ، كان الشماسة في شارع علي عبداللطيف يقذفون المبنى الرئيسي الفخم لبنك فيصل الإسلامي السوداني بالحجارة وكان ذلك المبنى وفي ذلك الوقت يمثل واجهة تنظيمية لجماعة الاخوان المسلمين

احداث 28 مارس 1985

في صبيحة ذلك اليوم وصل الرئيس نميري الى واشنطون في زيارة خاصة غير رسمية ولكنه مع ذلك سيلتقي الرئيس رونالد ريغان ومسؤولين آخرين
أقام الرئيس نميري خلال العشر أيام التي قضاها في واشنطون في منزل السفير عمر صالح عيسى والذي يرتبط معه بصلة قرابة ( ابن خالته ) وفيما بعد سنتعرف على الدور الخبيث الذي قام به السفير عمر صالح في تضليل الرئيس حول الاحداث الجارية في الخرطوم ولكن السفير صرح في ذلك اليوم بأنه طمأن مسؤولين أمريكيين (ان الوضع في السودان تحت السيطرة وان صندوق النقد الدولي سيتوصل لاتفاق مع الخرطوم للقيام بإصلاحات والالتزام بها سيمهد الطريق لمؤتمر نادي باريس لبحث إعادة جدولة ديون السودان التي تقدر الان بنحو 9 مليارات دولار) وقال في تصريحات نشرتها صحيفة القبس الكويتية ( يوجد الان في يد واشنطن مساعدات جاهزة بقيمة 118 مليون دولار بالإضافة إلى 200 مليون دولار كانت تحت الحظر بانتظار إجراءات تقوم بها الخرطوم. )

الأحوال المعيشية للناس في الخرطوم كما رصدتها صحيفة القبس الكويتية
اهتمت صحف خليجية عديدة بالأحوال السياسية والمتغيرات التي تشهدها الخرطوم في تلك الايام ولكننا سنلاحظ ان صحيفة القبس الكويتية كانت تفردت صفحاتها لتغطيات خاصة ومنها تقرير تم نشره في يوم 28 مارس جاء في بعض فقراته أن متوسط الرواتب في السودان لا يصل إلى 100 جنيه سوداني ورفع سعر رغيف الخبز الى 20 قرشا يعني أن رب الأسرة السوداني قد ينفق نصف راتبه على الخبز فقط.

فيما أشارت الى أن زيادة أسعار الوقود في السودان وصلت الى نسبة 75% وسعر الجالون في السوق الاسود وصل في بعض الحالات الى ما يعادل 20 دولار للجالون.

 

ردود سفارات غربية

بدا ان سفارات غربية ومنها سفارتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعاملتا مع المظاهرات بجدية أمنية كبيرة منذ اللحظات الأولى للمظاهرات فوزارة الخارجية الأمريكية أعلنت ان سفارتها في الخرطوم اتخذت إجراءات أمنية مشددة في خضم مظاهرات تجتاح العاصمة، فيما أشار مسؤول في السفارة الأمريكية في الخرطوم الى أن شرطة مكافحة الشغب استخدمت الغاز المسيل للدموع لإيقاف تجمع 75-100 شخص كان يزحف على السفارة وتم تعزيز الحراسة حول السفارة.وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية برنارد كالب ان لا أنباء عن أضرار او خسائر كبيرة في الارواح بين الاجانب الذين يقيمون في السودان.
أما السفارة البريطانية فقد تحدث مصدر فيها عن أضرار كبيرة لحقت بالسيارات والمحال التجارية وإشعال النيران في الأسواق.

عودة الهدؤ الحذر

وجه المتظاهرون منذ البداية غضبهم على حكومة الخرطوم اذا جاز التعبير ز فتوجه قسم منهم الى بعض مباني الاتحاد الاشتراكي فأشعلوا فيها النيران حسب وكلة الأنباء الكويتية فيما بقي مطار الخرطوم مفتوح رسميا لهبوط الطائرات الاجنبية ولكن شركات الطيران لم تتلق اذنا بالهبوط حتى الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم الخميس ، وبدا واضحا ان منطقة وسط الخرطوم لم تعد آمنة ، فقد اغلق التجار محلاتهم وبدأ نزلاء الفنادق الفخمة مثل مريديان وهيلتون يحزمون حقائبهم ولكن سفير للسودان في الخارج هو عبدالفتاح البابتوت ( سفير السودان في الكويت ) صرح لوكالة الأنباء الكويتية قائلا ( إن الهدوء عاد إلى الخرطوم بعد أن سيطرت قوات الأمن السودانية على “مظاهرات جوع” واتهم الإخوان المسلمين بالوقوف وراء التخريب والشغب)
الى ذلك اليوم كان يقود المظاهرات طلاب الجامعات وشماسة الأسواق ، فمتى جرت اول مظاهرة شعبية ضد نظام نميري
سنعرف ذلك في الحلقات المقبلة
تابعوني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى