مُحَمّدعُكَاشة يَكتُب:-قالوُا سَترحلُ يا نَزار..أخَذُوكَ منَا خِلسةً..مهلاً ستأخذُ نَيلنَا الصَافِي نَزار؟!

بقلم/محمدعكاشة
شتاءْ القاهرةَ 2005 ميلادية قامَ إلي صَعدائهِ يخطُبُ بمسرح دار الأوبرا مرفوعَ القامةِ شامخَ الأنفْ يُحدثُ عن وطنهِ السودان وعن أهلهِ.
شعورٌ جميلٌ بالفرحةِ يغمُرني وإلي جواري المرحوم التجاني الطيب بابكر وأيمن حسين فراج ومطر قادم.
الرجلُ يحضُني وصحابتي للحرصِ علي حضورِ يومُ تكريمه.
حينها كانت كلماتهُ عرائسَ تلتمعُ في تلك الليلة:-
(أنا رجلٌ من السودان كما تعلمون..وأهلي قومٌ كُرماءُ يُحبونَ الضيف.
أنا رجلٌ يُحبُ الجوائز ولقدتم تكريمي في كلِ أرجاءِ الدنيا ماعدا مصرَ شقيقةُ بلادي علي الرغم من أنّ السودانْ علي مرمي حجرٍ من هنا غيرَ أنٍّ مصرَ لاتعرُفنا إلا في الأزمات)
..
كانت جائزة مهرجان الرواية العربيةالتي تنُظُمها وزارة الثقافة تعطلت لسنوات بسبب ماقام به الروائي المصري صنع الله ابراهيم وهو يرفض قَبولها إحتجاجاً علي نظام الرئيس مُبارك ويُلقي بالجائزة علي الملأ في وجه اللجنة ومن أمامِ وزيرَ الثقافة ومُذّاك لم يكُ ثمتَ سبيلٍ لإستعادة الجائزةُ مكانَتها سوي أن تقومَ اللجنةُ بإختيار شخصٍ ذائعَ الصيّت راكزَ الجُهدُ والإبداع في مجالِ الكتابة الروائية يفكُ أزمةَ المهرجان الخانقة.
الرجلُ الذي وقَع عليه الإختيار وقفَ يقولُ كلمةً مؤثرةً في نقدِ مصرَ الرسمية في حالةِ إجتراءٍ لا يسَتطيُعها أحدٌ سواه من الناس لتغدو كَلمتُه مساءَ ذاكَ اليوم خَبراً رئيساً في صُحفِ اليساريين ولتَلقي إعجاباً مُتعاظماًمن قبل المثقفين العُضويين في مدينةِ القاهرة.
عُدتُ بعدها نصَطحبُ الرجلَ بسيارة الفنان أيمن حسين فراج (الفلوكسفاجن) المُطَهمةُ بالحُبِ والجَمال وصديقَتنا سلوي الصحافية المصرية تصرخ:-
(..إيه ده.. شخص عظيم زي أستاذ الطيب يركب معاكو بدون بهرج وكده)
يُجيبها الرجلُ ذي التواضعِ الجَمْ:-
(..هؤلاء هم أهلي.. وهذا هو السودان ياعزيزتي..)
الُروائي الطَيب صالح أوشيخ الطيب كما يحلو لصديقنا الأستاذ طلحةَ جبريل مُناداتهِ هو ذاكرةٌ مُتقدةُ وحافظةٌ نادرة.
سألني عن شخوصٍ وبيُوتٍ في حي العباسية الأمُدرماني العريق وعن دُكان اليماني وعن جكَسا وشمسُ الديّن حسَن خليفة والصَلحي وخَلوة جّدي الشيخ الزين ومرفَعين الفُقراء وعن سيّدات مُكافحِاتٍ يذكُرهنّ بالاسم وهنّ ينَهضنَ إلي الحياة كفاحاًبأنفاسٍ عَميقة.
سيرةُ (اليمانية) تتصلُ بكلماته في دار الأوبرا حيث الحِكمةُ يَمانيّةٌ والإيمانُ ومَكارمَ الأخلاق.
حِينها يُحدثنا عن المكانةِ التي يَحظي بها أهلُ السودان في عدن وصنعاءَ وحضَرموت.
الحبُّ الذي يربطُ بين الشعبين يتجذّرُ بالمُصاهرةِ والشعرِ والأدب.
الحديثُ إذاكَ لايعدو الطالبَ بكليةِ الطب جامعَة الخرطوم نَزارغانم وفارسُ مُنتدياتها وسَرحاتهاوالذي وفدَ من تلقاءَ اليمنْ الشقيق في سبعْينات القرنَ الماضي وأقامَ بين أهل السودان يُطبُبُ الناسَ وتطيبُ إقامتهِ بامدرمان.
الطيّب صالح تربطهُ بصديقنا نزار غانم علاقةٌ قديمة مُتصلةٌ منذ الستينات حينَ كانَ رفقةَ والده الأديب عبدُه غانم في لندن وحينذاكَ كان الطيب صالح يعمل بالبي بي سي وكانَ أن دفعَ إليه الأديب بُروفسورمحمد عبده غانم والد نزار بنص مسرحية (الملكة أروي) أو بلقيسُ الصُغري وهي ملكةٌ حَكمت اليمن ردَحاً من الزمان ليقومَ الطيب صالح بإخراجها وتقديمها للبي بي سي ثم تستمرُ علاقته وتتوطدُ مع نزار عند زياراته إلي إنجلترا.
ثم في العام1999م نظّمَ مركزُ الدراساتِ السُودانية بالقاهرة تكريماً للأديب الطيّب صالح وقامَ د.حيدرابرهيم علي مديرالمركز بتقديم الدعوة للدكتور نزارغانم وكانَ وقتَها باليمن والذي حضرَ للمشاركة وقام بتقديم الطيب صالح في إحدي جلسات الفَعالية وحينها عبر الأديب السوداني عن عشقه المُدنف لوطنه ليُجيُبه غانم بأن كِلانا عَليلٌ بحُب السودان وأهله.
الدكتور نزارغانم (حالةُ عشقٍ) تحكي عُمقَ الروابطُ بين السودان واليمن ولقدظل لأكثرَ من أربعةِ عقودٍ عاكفاً في محراب الآداب والفنون السودانية.
الشاعرُعمر بخاري عبدالله حين تفشي الخبر بإحتمالِ عودة غانم إلي صنعاءقام يُنشدُقصيدةً يُشبهُ د.نزاربنهر النيل:-
قالوا: سترحلُ يا نَزار
أخَذُوكَ منا خِلسةٍ
نَزعوا اللآليَ والمَحار
يا بَحرنا هذا دَوار
يا من.. ستأخُذه نَزار
مهلاً ستأخذُ نَيلنا الصافي نَزار..
الطيب صالح ونزار غانم إستفاضا بالحُبِ في مقامِ السودان فالطيّب في إغترابه الطويلُ يحَملُ الوطنَ بين جوانحِه وفي فِعله وفي كتاباته.
أما نزار ابنُ اليمنِ السعيد فهو ينهضُ جِسراً إيجابياًفاعَلاً لتوطيدِ العلاقات الإنسانية والإبداعية بين الشعبين.
دكتور نَزار غانم عادَ إلي السودان بقرارٍ أمدرماني بإمضاءِ العميد دكتور قاسم بدري الذي يَعرفُ (المعني) وهويمَنحُه إقامةً دائمةً لتدريسِ الطبِ لطالباتِ الأحفاد ولتَلوينِ واجهاتِ الأدبِ والشعرِ ولكشفِ أسَرارَ الطريق.
نزار غانمْ يانيَلنا الصَافي..تحيةً وإحتراماً.