عندما تنخرط الحكومة في التجارة

بقلم / مأمون حاتم الفنوب
بكالريوس اقتصاد – جامعة الخرطوم
دلت التجربة البشرية مرة بعد اخري في مختلف الاماكن والازمنة ان القطاع الخاص هو الاكثر نجاحا في ادارة الاعمال ويمكن رصد الكثير من الشواهد على ذلك مما لا يمكن حصره
غير أن أكثر الامثلة التي يمكن الاستشهاد بها في السودان على سبيل المثال هي تجربة قطاع الاتصالات حيث بين اداءه قبل العام ١٩٩٤ وبعده عندما تولى أمره القطاع الخاص فبغض النظر عن الجدل الذي ثار حول خصخصة قطاع الاتصالات أو ما يمكن ان يثار حول ملاحقته للتطور الجاري في هذا الصدد ولكن مستخدمي خدماته شعروا بفرق كبير، فقبل الخصخصة كان اجراء مكالمة عالمية في غاية الصعوبة مقارنة بما بعد فترة الخصخصة.
وهنا يلح على اذهاننا السؤال الجوهري التالي، لماذا ينجح القطاع الخاص فيما يفشل فيه القطاع العام؟
يري البعض ان سبب نجاح القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام يرجع الي الاختلاف في الدوافع، ففي القطاع العام لا يملك العاملون في المؤسسة من المدير الي أصغر موظف حوافز جوهرية لتطوير المؤسسة بل غالبا ما يكون هدفهم تحقيق فوائد شخصية علي حساب المؤسسة، أو عملائها، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، كما ان المؤسسات العامة تعاني غالبا من ضعف الرقابة والافتقار الى الحوكمة المؤسسية.
وإذا جاز لنا اجراء مقارنة بسيطة بالنظر الى الوضع في القطاع الخاص سنجد صورة مختلفة كليا.
ففي الشركات العائلية عادة ما يكون صاحب المال او من يمثله حريص على تحقيق الارباح من اجل زيادة ثروته، ولكنه في نفس الوقت يدرك ان عليه ارضاء اصحاب المصلحة الاخرين مثل العاملين والعملاء أو المستهلكين
ففي الاقتصادات المتقدمة حيث تقلص دور القطاع العام الى حدوده الدنيا تتحول الشركات العائلية الي شركات مساهمة عامة ليتم تداول اسهمها في البورصات ، وهذه الخطوة ضرورية لان الشركات العائلية لا تستطيع القيام بالأعمال التي تتطلب راس مال كبير مثل شركات المياه والكهرباء والاتصالات ، لذلك تلجأ الشركات لإصدار اسهم او سندات من اجل توفير راس المال اللازم ، و لعل ابرز الفروقات بين شركات المساهمة العامة والشركات الحكومية ان الاولي عادة ما يكون فيها مستثمرون كبار فمثلا يمكن ان تجد مستثمرا واحدا يمتلك ربع الاسهم او نصفها بينما تتوزع بقية الاسهم علي صغار المستثمرين ، و تكمن اهمية هذا الفرق في ان هذا المستثمر يصبح شديد الحرص علي امواله لذلك غالبا ما يعّين من يمثله في مجلس الادارة، وهذا يحول دون سوء ادارة هذه الشركة كما هو الحال في شركات القطاع العام.
ويمكن القول أيضا بوجوب تقليص وتحويل شركات القطاع العام الى شركات مساهمة عامة لأن وجود شركات حكومية خدمية ستشكل منافسة غير عادلة للقطاع الخاص مما يتسبب في نهاية المطاف بأضرار شديدة الضرر للاقتصاد حيث ان شركات القطاع العام غالبا ما تحظي بميزات غير عادلة مثل الاعفاءات الضريبية، ومعاملة تمييزية ، بالإضافة الى انها تعاني أصلا غالبا ما تعاني من عدم كفاءة في التسعير بسبب ان الحكومة تضخ اليها الاموال مما يضعف الدافع لوضع سعر يغطي التكاليف فينتهي بها الامر للبيع بأسعار شديدة التدني مما يؤدي الي خروج الشركات الخاصة من السوق لتنهار الشركات الحكومية بعد فترة بسبب سوء الادارة واستنزاف خزينة الدولة. وبالطبع يكون لهذا اثر بالغ السوء علي الاقتصاد ككل مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وختاما أقول كما يقول ابن خلدون (اذا اختلط السلطان بالتجارة فسد السلطان وفسدت التجارة) وهو تلخيص ذكي وحكيم لمعضلة انخراط الحكومة في التجارة.