مقالات

حيا الله مستودع الثقافة مصرا( 2)

 

حبا في مصر

الحلقة الثانية

بقلم/قريب الله حاج علي

……

الاستاذالشاعر العراقي / سعد الغريري أهدى لمصر قصيدة في غاية الروعة بعنوان “مصر المحروسة” يقول في جزءً منها: “ادخلوا مصر ادخلوها/ ادخلوها بسلامً آمنين/ وعن المجد سلوها فهي للمجد عنين/ اسمها شلال عطراً في رياض الصالحين/ مُصر مهد الأنبياء/ ومزار الأولياء/ وهي وحي الشعراء/ ولسان الصادقين…..”.

ولعل كلمات الشاعر العراقي سعد الغريري هي فاتحة شهية لمقالات طويلة عن مصر بعيون عربية وشعراء عرب وقصائد عربية نسجت بعناية من عشاق مصر و

هذه هي مصر في قلوب السودانيين.. فيضان من مشاعر الحب والوجد والشوق والتقدير،

العلاقات بين مصر والسودان نستطيع وصفها بأنها علاقات أزلية ومتشعبة في كافة الاتجاهات والمجالات ويزكي هذه العلاقات ويدعمها أن البلدين يجري فيهما شريان واحد يمد كلا منهما بالحياة متمثلاً في نهر النيل، الذي يمثل لهما مرتكزا وأساساً قوياً للعديد من مشروعات التعامل، كما أن هناك صلة نسب ومصاهرة ودم بين البلدين

ومهما اختلفت اللهجات الناطقة بالعربية، ولكنها اجتمعت بلغة واحدة فصيحة، نُظم منها شعرًا عبر عن مشاعر الانتماء والوطنية والعشق، من كل ربوع العالم العربي، وكانت الكلمات الموزونة والمقفاه هي رسالة العشق التي جمعت المدارس الشعرية السودانية المختلفة في حب مصر.. وذلك ما قدمه كبار شعراء السودان تعبيرًا عن عشقهم وانتمائهم لبلدهم الثاني ( مصر )

وقد قاد الشباب في فترات مختلفةتلك العلاقة الازلية وترجموها شعرا ونثرا وحبا وعشقا.  فظهرت مدارس شعرية كثيرة  في السودان  و مختلفةجمعها  حب مصر

 

و الشاعر محمد سعيد العباسي  هو الباعث الحقيقي للنهضة الشعرية الحديثة في السودان، فهو  بمثابة محمود سامي البارودي في مصر تقريبا، وذلك بالنظر لقوة شاعريته المطبوعة، وصفاء ديباجته، ووضوح شخصيته الذاتية .

 

تلقى محمد سعيد العباسي في طفولته ومطلع صباه، تعليماً دينياً تقليدياً في السودان، ثم ارتحل إلى مصر في العام 1899، والتحق بالمدرسة الحربية،

 

فكان لمصر الآثر القوي في نفس العباسي فأحبها حبًا جمًا ملك عليه أقطار نفسه، ولم يقتصر ذلك الحب على تلك النواحي الرومانسية فحسب، وإنما امتد لكي يؤثر حتى على آرائه ومواقفه السياسية أيضاً، حيث كان العباسي من أشد المنافحين عن فكرة وحدة وادي النيل، وقد عبر عن تلك المواقف والآراء شعرا في أكثر من مناسبة.

 

ومن روائع ما كتب العباسي في عشق مصر

قوله:

أقصرتُ مذ عاد الزمانُ

أقصرت مذ عاد الزمان فأقصرا وغفرت لما جاءني مستغفرا

ما كنت أرضى يا زمان لو انني لم ألق فيك الضاحك المستبشرا

يا مرحباً قد حقق الله المنى فعلي إذ بُلغتها أن أشكرا

يا حبذا دارٌ نزلت وحبذا إبداع من ذرأ الوجود ومن برى

مصرٌ وما مصرٌ سوى الشمس التي بهرت بثاقب نورها كل الورى

ولقد سعيت لها فكنت كأنما أسعى لطيبة أو إلى أم القرى

وبقيت مأخوذاً وقيد ناظري هذا الجمال تلفتاً وتحيرا

فارقتها والشّعر في لون الدجى واليوم عدت به صباحاً مسفرا

وله العديد من القصائد في حب مصر سنجتهد لجمعها و نعيد نشرها في كتاب عشق خاص يحمل اسم (حبا في مصر )

………

ومن الشباب ايضا الشاعر التجاني يوسف بشير

“شاعر الجمال والروح والوجدان”.. تلك الكلمات كانت تتردد على أذهان كل من يسمع اسم الشاعر السوادني المتصوف “التجاني يوسف البشير” من رواد شعر الرومانسية الصوفية بالوطن العربي، فقد كان مولعًا بمصر، و رغم انه لم يحظي بزيارتها. ورغم رحيله في سن صغير إلا أنه استطاع أن يترك أثرا طيبا في قلوب محبيه، من السودان ومصر، ولد عام 1911، وتوفي عام 1937م.

 

ومن روائع قصائد التجاني يوسف بشير في مصر

قوله :

عادني اليوم من حديثك يا مصر رؤى وطوفت بيَ ذكرى

وهفا باسمك الفؤاد ولجّت بسماتٌ على الخواطر سكرى

من أتى صخرة الوجود فقراها وأجرى منها الذي كان أجرى

سلسبيلاً عذب المشارع ثراراً روياً جم الأواذيِّ غمرا

 

إلى أن يقول:

إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرا

حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرا

فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرا

كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرا

كيف قولوا بجانب النيل شطاهُ ويجري على شواطئ أخرى

كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعاً وفكرا

نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً عليّ وعسرا

يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرا

قل لها في صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى

وثقي من علائق الأدب الباقي ولا تحفلي بأشياء أخرى

كل ما في الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا

وللتجاني يوسف بشير ايضا قصيدة محراب النيل والتي غزلها

بخيالٍ مجنحٍ وإحساسٍ مرهف، ارتسمت في ذاكرة ووجدان شاعرنا

السوداني المبدع التجاني يوسف بشيرلوحة فنية زاهية الألوان بديعة

الصور، نبصر فيها من خلال صياغته الشعرية الرائعة «نهر النيل»

محمولاً من جنة الفردوس على أجنحة الملائكة إلى سكان المعمورة،

وهو يقول في قصيدته «محراب النيل»:

 

أَنتَ يا نَيل يا سَليل الفَراديس

 

نَبيل مُوَفق في مَسابك

 

ملء أَوفاضك الجَلال فَمَرحى

 

بِالجَلال المَفيض مِن أَنسابك

 

حَضَنتك الأَملاك في جَنة الخُ

 

لد وَرقت عَلى وَضيء عبابكع

 

وَأَمدت عَلَيك أَجنِحَة خَضرا

 

ء وَأَضفَت ثِيابَها في رِحابك

 

فَتَحدرت في الزَمان وَأَفرَغَت

 

عَلى الشَرق جَنة مِن رِضابك

 

بَينَ أَحضانك العراض وَفي كَف

 

يك تاريخه وَتَحت ثِيابك

 

مخرتك القُرون تَشمر عَن سا

 

ق بَعيد الخطى قَوي السَنابك

 

يَتوثبن في الضِفاف خِفافاً

 

ثُمَ يَركضنَ في مَمَر شِعابك

 

عَجب أَنتَ صاعِداً في مَراقي

 

ك لِعُمري أَو هابِطاً في اِنصِبابك

 

مجتلى قُوة وَمَسرَح أَفكا

 

ر وَمَجلى عَجيبة كُل ما بِكَ

 

كَم نَبيل بِمَجد ماضيكَ مَأخو

 

ذ وَكَم ساجد عَلى اَعتابك

 

عَفَروا نَضرة الجِباه بِبرا

 

ق سَنى مِن لُؤلؤي تُرابك

 

سَجداً ذاهِلين لا رَوعة الت

 

اج وَلا زَهو إِمرة خَلف بابك

 

وَاِستَفاقوا يا نَيل مِنكَ لِنغ

 

ام شَجى مِن آلهي ربابك

 

وَصَقيل في صَفحة الماء فَضف

 

اض نَدي ممصر مِن أَهابك

 

وَحُروف رَيّانة في اِسمك الن

 

يل وَنَعمى مَوفورة في جَنابك

 

فَكَأن القُلوب مِما اِستَمَدَت

 

مِنكَ سَكرى مَسحورة مِن شَرابك

 

أَيُّها النيل في القُلوب سَلام الخُل

 

د وَقف عَلى نَضير شَبابك

 

أَنتَ في مَسلَك الدِماء وَفي لا

 

نفاس تَجري مُدَوياً في اِنسيابك

 

إِن نَسينا إِلَيك في عزة الوا

 

ثق راضين وَفرة عَن نِصابك

 

أَو رَفَلنا في عَدوتيك مَد

 

لين عَلى أُمة بِما في كِتابك

 

أَو عَبدَنا فيكَ الجَلال فَلَما

 

نَقض حَق الزِياد عَن محرابك

 

أَو نعمنا بِكَ الزَمان فَلم نَب

 

ل بَلاء الجُدود في صَون غابك

 

ونقف ايضا عن الشاعر تاج السر الحسن عاشق مصر وشوارعها وازقتها وحواريها

“تاج السر الحسن”..فتن بمصر وتعلم بها

 

وكان الشاعر الدكتور” تاج السر الحسن”، من الشعراء المعاصررين اللذين عشقوا مصر ونظموها شعرا،  “ومن اروع قصائده  قصيدة ” آسيا وإفريقيا ” لتاج السر الحسن:

والتي يقول في مطلعها :

 

عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة

ويُطلُّ الفجر في قلبي على أجنح غيمة

سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة

للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو

لرفاقي في البلاد الآسيوية

للملايو ولباندونغ الفتية..

لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة

والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة

 

مصدر الالهام والحب الكبير هو  نهر النيل عبر كل  العصور والأجيال المتتالية مصدر وحيٍ

بمختلف أخيلتهم ورؤاهم الإبداعية. وما فتئوا ينظرون إليه نظرات

حبٍ وإعجاب، وتقدير في كل زمانٍ ومكان.

 

قصيدة الشاعر المصري المعروف صلاح عبد الصبور والتي تغني بها الفنان سيد خليفة .

 

لا السامبا ولا الرمبا تساويها

لا التانغو ولا سوينغو يدانيها

ولا طبل لدى العربان يوم الثار

ولا رقص الهنود الحمر حول النار

 

ولا هذي ولا تلك

ولا الدنيا بما فيها

تساوي رقصة الخرطوم

يوم النصر يا سمرا

 

يا قدران في مجرى

تبارك ذلك المجري

فيمناهو على اليسرى

ويسراهو على الأخري

فهذا الأزرق العاتي

تدفق خالدا حرا

وهذا الأبيض الهادي

يضم الأزرق الصدرا

لا انفصلا ولا انحسرا

ولا أختلفا ولا اشتجرا

 

ولا هذى ولا تلك

ولا الدنيا بما فيها

تساوى ملتقى النيلين

في الخرطوم يا سمرا

 

ومن الوجد والهيام بمحاسن نهر النيل، عبّر الشاعر المصري علي محمود طه (الملاح )عن مدى وفائه وابتهاجه بالخير العميم الذي أنعم

به الله تعالى على أهل وادي النيل بهذا النهر العظيم

ويرى الشاعر نهر النيل شرياناً للحياة،

إذ جعله الله هادياً ومرشداً للوحدة والإخاء بين الشعبين الشقيقين:

المصري والسوداني، وذلك بقوله في قصيدته عن النيل:

أخي إن وردت النيل قبل ورودي

فحي ذمامي عنده وعهودي!

وقبِّل ثرى فيه امتزجنا أبوةً

ونسلمه لابنٍ لنا وحفيد

أخي إن أذان الفجر لبيت صوته

سمعت لتكبيري ووقع سجودي

أخي إن شربت الماء صفواً فقد زكت

خمائل جناتي وطاب حصيدي

أخي إن جفاك النهر أو جف نبعه

مشى الموت في زهري وقصف عودي

حياتك في الوادي حياتي، فإنما

وجودك في هذي الحياة وجودي!

ويستطرد الشاعر الكبير علي محمود طه في قصيدته

إلى أن يقول:

أخي إن نزلت الشاطئين، فسلهما

متى فصلا ما بيننا بحدود؟

وغامت سمائي بعد صفو وأخرست

مزاهر أحلامي، ومات نشيدي

غداة تمنى المستبد فراقنا

على أرض آباءٍ لنا وجدود

وما مصر والسودان إلا قضية

موحدة في غايةٍ وجهود

إذا يدنا لم تدك نار حياتنا

فلا ترج دفئاً من وميض رعود

إذا يدنا لم تحم نبع حياتنا

سرى ريه سماً بكل وريد

وكيف ينام المضعفون وحولهم

ظماء نسورٍ أو جياع أسود؟

على النيل يا ابن النيل أطلق شراعنا

وقل للياليه الهنية: عودي!

 

اما الشاعر السوداني الكبير إدريس محمد جماع أبصر في النهر بإحساسه

المرهف وذوقه الفني الرفيع، سحر الطبيعة وإشراقة الحياة! وربيع الدنيا

أضحى أكثر رونقاً وبهاءً في ناظريه وهو يتأمل بحبٍ وإعجابٍ نهر النيل

قائلاً:

وادٍ من السحر أم ماء وشطآن

أم جنة زفها للناس رضوان؟

كل الحياة ربيع مشرق نضر

في جانبيه وكل العمر ريعان

تمشي الأصائل في واديه حالمةً

يحفها موكب بالعطر ريان

وللطبيعة شدو في جوانبه

له صدى في رحاب النفس مرنان

إذا العنادل حيا النيل صادحها

والليل ساجٍ، فصمت الليل آذان

حتى إذا ابتسم الفجر النضير لها

وباكرته أهازيج وألحان

تحدر النور من آفاقه طرباً

واستقبلته الروابي وهو نشوان

أقبلت من ربوةٍ فيحاء ضاحكة

في كل معنىً بها للسحر ايوان!

والنيل مندفع كاللحن أرسله

من المزامير إحساس ووجدان!

::::::

“شعراء السودان” كتاب جمعه والفه سعد ميخائيل وهو أول مجموعة شعريةسودانية، بصدوره في العشرينات من القرن العشرين، ويضم أشعارا لأشهر شعراء البلاد مرتبين بحروف الهجاء مع ترجمات لحياة كل منهم، حيث ضمّ الكتاب 37 شاعرًا مع نبذة عن حياة كل شاعر وصورة له.

 

من هو ميخائيل؟

 

بالنسبة لمؤلف الكتاب فهو من الأقباط المصريين القادمين للسودان والذين استقروا به، وحيث كان السودان في تلك الفترة مع بداية الحداثة محطة لاستقبال الجاليات من مصر والشام واليونان وغيرها من بلدان العالم.

 

وكان سعد ميخائيل يعمل موظفًا بالبريد بمدينة الخرطوم العاصمة، وله اهتمام بالشعر السوداني، ما دعاه إلى التفكير في المبادرة بهذا العمل الكبير الذي سجله له التاريخ، برغم أن كثيرًا من الأجيال اليوم لا تعرف ذلك.

 

لماذا تأليف الكتاب؟

 

في واقع الأمر فإن الكثير من تفاصيل الحداثة في السودان المتعلقة بالحراك الأدبي والنشر والطباعة والإبداع قام عليها وافدون من أقباط ويهود وغيرهم ممن قطنوا السودان وساهموا في الحياة السودانية بنشاط إيجابي، وتركوا بصماتهم بجدارة، وبعضهم صار سودانيًا واندغم في صميم المجتمع إلى اليوم عبر نسله وذريته.

 

ولسعد نفسه أشعار وهو القائل:

قالوا تعشقت من سوداننا أدبًا

ألفت منه كتابًا ذا أفانين

صرفت شطر حياتي في ربوعكم

فنلت ما شئت من عطف ومن لين

 

فهو يشير هنا إلى تأليفه هذا الكتاب المرجعي الهام، الذي يندر أن تجد له طبعة اليوم، وهي واحدة من مشكلات النشر في السودان، حيث قليل من الكتب القديمة يتوافر أو يعاد طباعته.

 

ويتكلم ميخائيل بوضوح هنا عن العطف والحفاوة التي وجدها من أهل السودان، ما جعله يتعلق بأشعارهم وشعرائهم، وحيث إن الشعر بوابة للروح والعطف الإنساني والتعلق فطريًا بالشعوب والأمم.

 

شعراء السودان

 

من الشعراء الذين كتب عنهم سعد ميخائيل في كتابه المرجعي، الشيخ حسين زهراء الذي يعتبر من أحد علماء وقضاة المهدية (1885 – 1898م) وكان قاضيًا وشاعرا.

 

كذلك من الشعراء المذكورين في الكتاب، الشاعر الأمين محمد الضرير، وكان قد تولى وظيفة رئاسة علماء السودان بأمر من الخديوي في مصر، إبان العهد التركي – المصري.

 

كذلك يمكن الإشارة لشعراء منهم، إبراهيم شريف الدولابي الكردفاني وهو أحد خريجي الأزهر الشريف، وأوردت له قصيدته يرثي فيها المهدي.

 

وأيضا أبو القاسم أحمد هاشم الذي كان يتولى وظيفة شيخ العلماء ويرجع له الفضل في ترقية المعهد العلمي بأم درمان.

كما لا يمكن نسيان إسماعيل عبد القادر الكردفاني، الذي يشار له بمؤرخ المهدية، وتولى الإفتاء في عهدها،

 

كذلك أحمد محمد صالح، وهو خريج كلية غردون التذكارية التي سميت بجامعة الخرطوم لاحقًا، وكان يعمل معلمًا بمدرسة أم درمان الأميرية الوسطى، وأورد له ميخائيل قصيدة ألقاها بنادي الخريجين استقبالًا لعيد الأضحى.

 

وهناك الطيب السراج الذي يعتبر علمًا من أعلام اللغة العربية في السودان، وكان يعمل وقتها موظفًا بالحكومة.

ويلاحظ أن معظم هؤلاء الشعراء من عهد المهدية أو قبلها التركية، حيث ساهم التعليم في العهد التركي الخديوي (1821- 1885) على أن يأخذ البعض بالثقافة العربية وكتابة الشعر الفصيح، بخلاف الشعر العامي، وكان بعضهم قد درس في الأزهر بمصر.

…..

 

أن الهيام بمصر ، ومدحها ، وذكر محاسنها ، والتغني بمآثرها وأمجادها ومغانيها ، لهو من الموضوعات الملاحظة والثابتة ، التي ظلت تسم ديوان الشعر العربي بأسره ، وعبر مختلف العصور المتعاقبة إلى الآن ، وخاصة منذ أن أضحت مصر ، بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي ، أرض الكنانة ، ومستودع قوة العرب والمسلمين ، ورمز عزتهم ، وعنوان حضارتهم ، والكهف الذي يلجأون إليه في الملمات ومدلهمات الأمور.

وبالطبع ، فإن الشعراء السودانيين ، أو المعاصرين منهم على الأقل ، لم يكونوا بدعاً في حب مصر والوله بها أسوة بالشعراء العرب الآخرين – ذلك بأن قصة تاريخ علاقة السودان بمصر ، ومحاولة استكناه جميع صور وخصائص تلك العلاقة ، بما في ذلك أبعاد العلاقات الثقافية التي نشأت بينهما منذ فجر التاريخ ، حكاية تطول بطول تاريخ تلك العلاقة الأزلية نفسها.

فهذا مجرد غيض من فيض مما يذخر به ديوان الشعر السوداني من إعراب الشعراء والمبدعين السودانيين عن محبتهم لمصر ، والتنويه بذكرها ، والتطلع الدائم إليها ، بوصفها الكنانة ، والأمل المرتجى ، للتحرر والعزة والمنعة والتقدم ، وحادية ركب الأمة العربية نحو النهضة الشاملة في شتى مناحي الحياة

 

والشاعر السوداني الكبير إدريس محمد جماع أبصر في النهر بإحساسه

المرهف وذوقه الفني الرفيع، سحر الطبيعة وإشراقة الحياة! وربيع الدنيا

أضحى أكثر رونقاً وبهاءً في ناظريه وهو يتأمل بحبٍ وإعجابٍ نهر النيل

قائلاً:

وادٍ من السحر أم ماء وشطآن

أم جنة زفها للناس رضوان؟

كل الحياة ربيع مشرق نضر

في جانبيه وكل العمر ريعان

تمشي الأصائل في واديه حالمةً

يحفها موكب بالعطر ريان

وللطبيعة شدو في جوانبه

له صدى في رحاب النفس مرنان

إذا العنادل حيا النيل صادحها

والليل ساجٍ، فصمت الليل آذان

حتى إذا ابتسم الفجر النضير لها

وباكرته أهازيج وألحان

تحدر النور من آفاقه طرباً

واستقبلته الروابي وهو نشوان

أقبلت من ربوةٍ فيحاء ضاحكة

في كل معنىً بها للسحر ايوان!

والنيل مندفع كاللحن أرسله

من المزامير إحساس ووجدان!

::::::

 

ولإدريس جماع قصيدة أخرى اسمها في ركاب الأمل ألفها، وهو في الطائرة ذاهبا إلى القـاهرة ، يقول فيها :

أملى وهبت لي الحيـاة             وكنت في سجن الألـم

أطبق جناحك قد بلغت              فهذه أرض الهــرم

حلقت بـــي متهاديا              وبدت رؤى هذا الحرم

وبدأ صباح فيه تمتزج            الحقيـقة بالحــــلم

يا مهجـــــرا للأنبياء          وقبر سائر مــن ظلم

هذا ركابي قر فـــيك           ولست غيـــر فتى برم

والأرض أفسح ما تكون            لمن تحل به النقــم

و ا.

وللشاعر أيضا قصيدة بعنوان عناق قطرين ألفها عندما احتفى أبناء مصر والعروبة بديوانه، وقد نسج هذه القصيدة وفاء لهم، نختار منها الأبيات التالية:

أنا للفن ما بقيت وفي مصر        حمي يرأم الفنون ويعلي

منذ فجر الحياة مصر أنالت       وثبات الفنون أسمى محل

من تهاويل صخرها ولد الفن       وينبيك  عن عراقة أصل

أمة تعشق الحياة ، وليس الفــن        غير الحياة من بعد صقل

بالحمى الحر والثقافة والماضــي       سمت مصر للمحل الأجل

لست في أرضكم غريبا فهذا النبع        والشط قبلها كـــن حولي

حمل النيل هذه الأرض من أرضي       ليحيا بخصبها بعض أهلي

 

أما الشاعر محمد محمد علي الذي ولد في حلفاية الملوك عام 1922م  (في مكان وزمن إدريس جماع)، وتخرج من معهد أم درمان العلمي عام 1940م، وارتحل إلى القاهرة حيث حصل على ليسانس دار العلوم من جامعة القاهرة ودبلوم معهد التربية بجامعة إبراهيم (عين شمس حاليا)، وحصل على درجة الماجستير من  كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وله بعض المؤلفات والروايات، والمتوفي في عام 1970- فلمصر حضور واضح في ديوانيه : ألحان وأشجان، وظلال شاردة.

فيما يخص ديوانه ألحان وأشجان ، فهناك قصيدة له بعنوان مصر الباسلة ألفت عام 1956م، يصف فيها العدوان الثلاثى على بورسعيد ، يقول محمد محمد علي:

أحنو عليك بقلب شاعـــر            وأذود عنك بعزم ثائر

لك فى فؤادي موطن رحب            على الأيام عامـــر

أمسى صمودك في الوغى             مثلا تضج به المنابـــر

في كل شبــــر من ثراك           خبيئة خبئــت لغادر

حسبوا القناة غنيمـــــة             صفت موائدها لفاجــر

خسئوا فما أرض القــــناة       سوى اللظى وسوى المقابر

فليمطروها وابلا متحـــدرا         من أفـــــق طائر

وليقذفــــــوها بالردى            مما تنوء به البــواخر

وليحشدوا ما يحشــــدون           من الرجال لغيــر آخر

إني أرى أجداثهــــــم            قد عمقوها بالأظافــر

لكأنهم كرهوا الحيــــاة                 فآثروا تلك المصائر

ستبيد مصر جموعهـــم             مهما تباهوا بالتكاثر

مصر العزيزة لم تلن                   يوما إرادتها لقاهر

 

ويحتوي أيضا ديوانه ألحان وأشجان، بالإضافة إلى قصيدة في تكريم عميد الأدب طه  حسين عندما أصبح وزيرا للمعارف، وبالإضافة إلى قصيدة في رثاء الشاعر علي محمود طه المهندس بعنوان ( مرسى الملاح )- يحتوي على قصـيدة بعنوان تحية وفود الأدبـاء (أنشدت في مؤتمر الأدباء العرب الذي أقيم بالقاهرة عام 1957م) ، يقول في بعض أبياتها:

فيا مصر أنت الحبيب المفدى     ويا مصر أنت الهوى المصطخب

كفاحك نبع المنى في فؤادي        إذا غاض نبع المنى أو نضب

ومن راحتيك شربت الضياء       ومن جنتيك جــنيت الأدب

وواضح أن الشاعر هنا  يظهر حبه وامتنانه واعترافه بالجميل لما قدمته له مصر من أياد ناصعة البياض، ويعبر عن هذا الأمر في لطف مع تكرار لاسم مصر و ضمير يعود عليها حبا و إمتاعا.

أما ديوانه ظلال شاردة ففيه قصيدتان مهمتان في هذا المجال، الأولى ألفها الشاعر محمد محمد علي في رثاء الأديب الكبير عباس محمود العقاد، يسرد فيها عددا من الصفات التي اتسم بها العقاد من منطق جبار وقوة يراع، و فردانية في العلم وغير ذلك، كما وصف مجلسه الذي كان يحضره الأدباء والمثقفون من كل حدب وصوب. ثم يرثيه في كلمات مؤثرة موجعة للقلب حين يقول:

يا مطلع النور يا حبي وإيناسي         يا باعث الضوء في أعماق نبراسي

يا لهف نفسي على سيماك ساطعة         كالبدر يشرق بين النرد والآسي

لهفي على منزل شعت جوانبــه        بالعلم والفن لا بالتــبر والماس

لهفي على مجلس كنا نحــف به        كأنه حرم أو قدســي أقداسي

يا قومنا ما دهى الألباب فاضطربت      وما دهى الطود وهو الشامخ الراسي

هل ودع الناس عباس علـى شغف       وبات فردا وحيدا رهـــن أرماس

لم يعرف الشرق جبارا  كمنطقـه       ولا يراعا جرى يومــا بقرطــاس

قد عاش في الناس فردا لا مثيل له        وودع الناس فردا شامخ الراس

وأما القصيدة الثانية التي حواها ديوان ظلال شاردة- فتخص الأدبية العربية رائدة الفكر العربي الدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت  الشاطيء، التي زارت دار الشاعر محمد محمد علي عام 1969م، بحلفاية الملوك تلبية لدعوة من الأخير، وفي دار الشاعر وحولها احتشد عدد كبير من أبناء الحلفاية، نساء ورجالا، تعالت ضربات (نحاس العبدلاب) التاريخي، وما أن هلت الدكتورة حتى استقبلت بالتصفيق وتعالت زغاريد النساء وضربات  النحاس. وقد ألف الشاعر محمد محمد علي قصيدة بمناسبة زيارة هذه الأديبة لداره ، والتي منها :

زهت داري ونورها خريفي           ودوت في جوانحها دفوفي

وكان ترابها النامي  قـلوبا           من الأشواق دائمة الوجيف

أ بنت النيل وهو أبي وأمـي           إليك مودة القـلـب اللهيف

تعشق فيك علما أريحيــا            وفنا ممرعا داني القطـوف

وإنسانا أثاب إلـــي نفسي           وواكبها على النهج الشريف

” إذا كان النساء كمن ذكرنا            لفضلت الفتاة على الألوف

 

ومن الشعراء السودانيين الذين خصوا مصر بمساحة في أشعارهم عبدالله حسن كردي حين يقول :

أهرامهم فوق السماء مكانة          وهم ميامين الورى أخيار

في كل جامعة لهم نشء  سما         بذكاء فكر طار منه شرار

وبكل حيء للمعاهد ضجـة           فالعلم بين ربوعهم أنهار

ما فيهم إلا خطيب مصقــع       أو شاعر لبناته أخـــبار

أو ناثر فحل يهز بكــــفه      قلما تكون بحـده الأعمار

أنى يحيد الفضل عن أوطانهم       والفضل ليس له سواهم دار

عرب لهم بالضاد نقط معرب     ما فيه من عوج اللسان  عثار

 

ويقف الشاعر عبدالله عبدالرحمن، صاحب ديوان الفجر الصادق، أيضا ضمن شعراء السودان الذين أحبوا مصر حبا جما ، وله في ذلك قوله:

يا نسيما يخـتال بيــــن رياض          راويا عن أريحهــن اعتلاله

قف رويدا وجمع الزهــر واحمل          لرجال العلوم منــي رساله

لرجال العلم من أرض مصـــر           واهبي الضاد حسنها والجزاله

قل لهذي الكرام يجمعها النادي بدورا          ويحتـويهــــــن هاله

لكم الــود في البلاد مقــــيما         ما أظن الزمان يطوي ظلاله

 

لمحمد المهدي المجذوب قصيدة اسمها (نموت وتحيا مصر) يتحدث فيها عن موضوع مهم تناوله  عدد من شعراء السودان وتفاعلوا معه، وهو موضوع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م، ويأتي ضمن هذه القصيدة أبيات هي:

تدق فرنسا علــــى بابها             وتزعق إنجلترا الفاجـــرة

تسوق ادعاء بلا حجـــــة             كما تدعى الشرف العاهـرة

ويغضي أبوالهول عن رجسهم              ويرنو بنظرته الساخــرة

فينحسر البغي عن صخــرة               ويرتد كالموجة العاثــرة

وهيهات أن تخضع القاهرة

 

ومعاني الوفاء للزعيم عبد الناصر يجسدها الهادي ادم في اجمل قصائد الرثاء وهو يقول :

 

أكذا تفارقنـا بغيـــــر  وداع يا قبلة الأبصــار  والأسمــاعِ

ماد الوجــود  وزلـزلت أركانـه لما نعاك إلى العــروبة  نــاعِ

مـاذا عسى شعـرى وخطبك  آخذ بالقلب أم مـاذا يخـط   يراعـىيا صاحب الوجـه النبيـل  وحامل الخطب الجليـل، وقمــة الإبداعيا من تخيـرك الإلـــه لأمــة محفـوفــة بالغــدر والأطماع

كم أصبحت هــدفاً  لصـــولة غاصب ومباءة لمــذلة وضـياعِ

مازلت تنهضــها  بكف معالــج ذى خبــرة بمــواطن الأوجاعِ

حتى نفخت الـروح فى  أوصـالها وأقمت واهـى صرحها  المتداع

وأمطت أقنعـة اللئام  وزيفهـــم حتـى بـدوا فينـا بغيـر قنـاع

ِزنت السياسـة إذا حملت  لواءهـا وجلوتهـا من ريبــة   وخـداع

ِفغدوت مثل الأنبيــاء  كـرامـةً أو كالمــلائك فى سمـو طبـاع

ِالشـرق لم يَكُ للضـريع  بحاجـة لكنـه فـى  حاجـــة لشجـاع

ِيغـرى المزاعـم بالبيان  إذا سعى بالدس فـى أرض العـروبة ساعِ

وكذاك كـنت شجــاعة وأصـالة وبيان وضـاح الأســـرة  واعِ***

أكــذا   تفارقنــا بغيــر وداعِ يا منيـة الأبصــار  والأسمـاعِ

أكذا تفارقنا و “سينــا”   لم تـزل تجتاح بيــن ثعـالب وسبــاعِ

وشواهق   “الجـولان” عند  مكابـر متزايــد  الآمـال والأطمــاع

ِ”والقـدس”   فى أيدى اللئام “تشبثوا” منها بأشـرف تربـــة وبقـاع

ِوبنو فلسطين  الشهــيدة   أعـين تدمـى القلـوب  بصرخة الملتاع

ِأزمعت عنا يا جمـال  مكــرمـاً فينا ولكـن  لات حيــن زمـاعِ***

يا ليلة من شهر يوليــو   أسقطت عــرش الممـالك من أجل يفاع

ِكانت مع القدر الشـريف  بموعـد وافته  بيـن الخَبِّ  والإيضــاعِ

والدرب حولك بالمخاطـر  حافـل لم تخش مـن شـوك به  وأفاع

فإذا بمصــر مع الشعـوب طليقة مزهوة الفلــوات  والأصقــاعِ

وإذا بفـلاح التـــــراب مملك فى كل شبـــر عنـده   وذراع

ِحررتــه  مـن ذلـه وإســاره ونزعته من قبضــة الإقطــاعِ

وإذا مياه الســد تغمــر  أرضه فتحيلهــا  ورديــة   الإينـاعِ

وإذا بروحك  وهو  عــزم ثائـر يسرى بروح شبابـه   الأيفــاع

ِوإذا فلسطيـن الحبيبــة  قلعــة للثـأر بيـن جحـافل  وقــلاعِ

وإذا بهذا الشــرق  بعد همــوده عرفات جبار ومهـد صـــراع

ِقسمــاً بوجهـك  لن نعيش وبيننا متسلـط بالـدس   والإيقـــاع

ِوبمنطـق الجبـروت نأخـذ  حقنا قسـراً وليس بمنطــق الإقنـاعِ

إنا كمـــا علمتنــا وأردتنــا لن نستكيــن لواقـع الأوضـاعِ***

أكـذا تفـارقنـا بغيــــر وداعِ يا زينة الأبصـــار والأسمـاع

ِغفـرانك اللهــم لست مصــدقاً ولـدىَّ للشـك المـريب  دواع

لكنه الإنسـان يؤثــر  ضـعفـه حيناً ويجبـن  أن يصـيخ لـداع

ِأجمـال   إنك إن رحـلت مفارقـاً ودعـاك للعليــاء أكــرم داع

ِفلأنت مـن أرواحنــا وقلــوبنا مهما استطال العهــد قيـد ذراعِ

كلمات قلبك سـوف  تبقـى دائمـاً فى كل قلب مصــدر  الإشعـاع

ِلا يستــرد بغيـر قـوة  ساعـدٍ حق أضــيع بقـوة وصــراع

ِيا فخــر هذا الشـرق   يا ملاحَه وزعيــم نهضـته بغيـر  نزاع

ِيا من بكفك صغتــه وصنعتــه أكـرم بكـف للشعـوب صـناع

ِنم فى جوار الله  وانعــم عنــده بكريـم  مصطحب وحسن متـاع

ِخـرجت لك الجنـات تكـرم وافدا والأرض قد خـرجت ليـوم وداعِ

…….

 

نعم انها مصر التي كتب عنها الشاعر المصري سامي ابو بدر اجمل القصائد التي توقفت عندها كثيرا قصيدة (عزف على وتر الحنين)، وهي قصيدة منشورة في ديوانه “طيف أميرة”، وقد دارت جميع أبياتها حول مصر؛ وقد تحدث أبو بدر عن مصر من خلال المحاور التالية: شدو الأشعار لأم البلاد، الحنين إلى مصر، الحب..الذكريات.. الطفولة… النيل بمصر، مصر في القرآن والسنة.

 

يستهل أبو بدر قصيدة (عزف على وتر الحنين) بشدو لحون الشوق أشعارًا لمصر فهي جديرة بذلك؛ أليست هي أم البلاد، ومهوى الروح فيقول:

 

لمصر أشدو لحون الشوق أشعارا

 

وأذرف الدمع كالعشاق أسحارًا

 

لي في هواها حكايات أهيم بها

 

وإن القلب إذ يهوى لأعذارا

 

فلا تَلُوموا فُؤادي

 

في تجاوزه حد الجنون بها

 

جهرًا وإسرارا

 

أم البلاد،

 

ومهوى الروح، قبلتها

 

متى حللت بها أنعم بها دَارا

 

من ذا يطيق بعادًا

 

عن ثرى وطن كمصر

 

أو يبتغي في الأرض أسفار؟!

 

إني أحن إليها

 

والحنين غدا بين الحنايا نارا

 

رُحماك ربي بمن في مصر مُهجته

 

ظَلَّتْ تراود إقبالًا وإدبارًا

 

ولي هنالك شريانٌ يثور ُ به نبضي

 

فيجري دمي بالحب موارا

 

وتنهك الخاطر المكلوم

 

من وجعٍ

 

ذكرى تُهيج في الأحشاءِ إعصارا

 

وإن شُغلت عن الذِّكرى

 

تحاصرني

 

مهما طويت على الأيام أقطارا

 

ما زلتُ أذكرني طفلا بحجر أبي

 

يقص من سير الماضين آثارا

 

وأذكر النيل يجري في جداوله

 

وضفتين وأشجارا وأطيارا

 

وما صنعت من الألعاب في فرحٍ

 

من طِينَة الحقل أحلامًا وتذكارا

 

وما تلوت من الآيات

 

منتشيًا بمصر

 

فخرا وإجلالا وإكبارا

 

ألم يُباه بها فرعون في صلفٍ؟

 

“أليس لي” ملكها.. طوعًا وإجبارا

 

وعز يوسف فيها بعد كُربته

 

واستوز الملكَ

 

دو ن القومِ مُختارا

 

قال:” ادْخُلُوا مِصْرَ”

 

كونوا ” آمِنِينَ” بها

 

واستفتحوا أهلها بالبر أخيارا

 

وقال موسى:

 

﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم﴾

 

مَّا تسأَلْون بهدي الأرضِ أثمارا

 

فرت إليها بعيسى مريم

 

هربًا

 

لما استجارتْ

 

تبارى الناس أنصار

 

وقام أحمد..

 

يوصي الفاتحين بها

 

فكان بالفتح إيذانًا وإشعارا

 

إن لنا في أهلها “رحمًا”

 

وإن ليْ ذمما فيها وأصهارا

 

ويختم أبو بدر قصيدة (عزف على وتر الحنين) بأنه مهما يقول في مدح مصر فلن يستطيع أن يبرز كل أسرار وحقيقة جمالها فيقول:

 

هذي بلادي

 

إذا ما دُمت أمدحها

 

يفنى الكلامُ…

 

وما جَلَّيتُ أسرارا

 

واختم صفحاتي هذه بدندنة مع امير العود السوداني عبد العزيز محمد داؤد واغنية

هل انت معى.؟ والكلمات للشاعر المصري محمد علي احمد وهي من الاغنيات المحببة للجميع.

 

همسات من ضمير الغيب

تشجى مسمعي

وخيالات الأمانى

رفرفت فى مضجعي

وأنا بين ظنونى

وخيالى لا أعي

عربدت بي هاجسات الشوق

إذ طال النوى

وتوالت ذكرياتي

عطرات بالهوى

كان لى فى عالم الماضى

غرام وانطوى

كان لى بالأمس احلام

وشوق وحبيب

كان لى للجرح طبيب

لا يجاريه طبيب

كان ما كان وبتنا

كلنا ناءٍ غريب

سكر السمار والخمار

فى حان الغرام

وانا الصاحى ارى فى النور

اشباح الظلام

وبدت كأسى على راحى

بقايا من حطام

عادنى الوجد الى ليلى

وكأسى المترع

وسعير الحب يشقينى

ويشقى مضجعى

ولهيب الشوق يدعونى

 

فهل انت معى؟…..

نواصل في البحث عن مصر في عيون شعراء السودان والشعراء العرب .ثم.ننتقل لاجمل ما كتبه الشعراء العرب من اغنيات حبا في مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى