أين أخفيت المقاوم محمد بصير يا إسبانيا؟!

بقلم /دكتور عبدالمغيث بصير
ألا فلتعلم الدولة الإسبانية والعالم أن لا علاقة للبوليزاريو بالمناضل محمد بصير.
بين الحين والآخر وكلما حلت الذكرى السنوية لانتفاضة المقاوم المغربي محمد بصير، المعروف في الأوساط الصحراوية المغربية بلقب بصيري، والتي جرت أطوارها بمدينة العيون يوم 17 يونيه 1970م ضد الاستعمار الإسباني، وهي نفسها ذكرى اختفائه القسري، تقوم ميليشيات البوليزاريو بترويج خبر مفاده أنها ستسائل الدولة الإسبانية عن مصيره، وكأنها هي التي تملك الحق الأول في ذلك.
وتنويرا للرأي العام الوطني والدولي حول هذا الموضوع وهذه القضية، أقول بأن عصابة البوليزاريو لا علاقة لها بالمناضل محمد بصير، سواء من حيث القرابة الأسرية، أم من حيث تبنيه سياسيا واعتباره رمزا روحيا للانفصال، وذلك للاعتبارات الآتية:
أولا: المناضل محمد بصير وطني مغربي ابن وطني أبا عن جد، وهكذا ظل حاله إلى أن اختفى قسريا من قبل الاستعمار الإسباني، أما عصابة البوليزاريو فقد استولت على تاريخه النظيف وأضافته إليها زورا وبهتانا وبدون دليل، ولمن لا يعرفه أقول: “هو الأستاذ الوطني الألمعي سيدي محمد بصير، ولد بالزاوية البصيرية ببني عياط سنة 1942م، ودرس بها أولا إلى أن أتقن حفظ القرآن الكريم، ثم درس المرحلة الابتدائية بمدرسة التقدم بالرباط، ثم انتمى بعد ذلك لجامعة ابن يوسف بمراكش إلى أن حصل شهادة الباكلوريا، ثم هاجر إلى مصر فانتمى للدراسة بالأزهر، وهناك تأثر بجمال عبد الناصر ومذهبه الناصري في القومية العربية الداعي إلى الوحدة العربية، وعرج على سوريا ولبنان، وتأثر بالصحافة الموضوعية في أوجها، وعاد إلى وطنه المغرب فأسس مجلة الشموع ومجلة الأساس ومجلة الأمل بالدار البيضاء رفقة العديد من المناضلين الوطنيين.
وعندما تأكد من نوايا الاستعمار الإسباني، بأنه ينوي أن يجعل الصحراء المغربية مقاطعة تابعة له في الجنوب المغربي، سافر إلى الصحراء حيث يقطن أحد إخوته وأبناء عمومته، وهناك شرع في تأسيس حركة سرية لمناهضة الاستعمار الإسباني، أطلق عليها إسم: “الحركة الطليعية لتحرير الصحراء المغربية”، والتي انتمى إليها الصحراويون بكثرة، وتذكر الإحصائيات أنهم بلغوا حوالي سبعة عشرة ألف منخرط، وعدها بعض مؤرخي التاريخ الحديث بأنها أول حزب صحراوي ذو توجه سياسي وطني أصيل.
وهكذا شاء الله له أن يعترض مشروع إسبانيا الاستعماري في بداياته في يوم انتفاضته المشهود، يوم 17 يونيو سنة 1970م، رفقة المواطنين الصحراويين الذين انتموا لحركته. والذين قاموا حينها برسم العلم الإسباني على باب الهيئة المسيحية في وسط مدينة العيون، وهو ممزق ومخترق من قبل رمز المملكة المغربية الشريفة، كما ذكر الكاتب الإسباني طوماس باربلو في كتابه التاريخ المحظور للصحراء الإسبانية” ص 80.
وشاء الله له أن يختفي قسريا من يوم انتفاضته الأغر، إلى يومنا هذا، حيث اختطفته القوات الاستعمارية الإسبانية، وحققت معه تحت التعذيب، وسجنته لمدة شهر ونصف، وأخفته قسريا وأخفت الأرشيف المتعلق به، ورفضت أن تكشف عن مصيره، رغم الطلبات العديدة التي قدمتها أسرته البصيرية على المستوى الدولي، بل إن إسبانيا منعت بعض أسرة آل البصير من الحصول على تأشيرة شينغن، لما علمت بأنهم يرغبون في إقامة دعوى ضدها للكشف مصيره.
ثانيا: لماذا قامت إسبانيا بإخفاء المناضل محمد بصير؟ فلو كان ينشد الانفصال عن وطنه المغرب لتبنته ودعمته، لأنه في النهاية سيخدم مصالحها الاستعمارية التي ستفصل الصحراء المغربية عن المملكة؟ ولكنها عندما تأكدت بأنه يناضل ضدها، فإنها قامت بما قامت بالتخلص منه وإخفائه قسريا. ثم لماذا تتهرب إسبانيا لحد الساعة من الكشف عن مصيره، وقد اعترفت مؤخرا بمغربية الصحراء، والأسرة البصيرية ترغب في حل هذا المشكل معها وديا؟ وإسبانيا هي الدولة التي استعمرت الصحراء المغربية، وتعرف كل شيء عن المناضل محمد بصير وعن وطنيته ومقاومته وعن قضية اختفائه، وتعلم علم اليقين بأن المنطقة كانت خالية من شيء يسمى الدولة الصحراوية. أو بالأحرى تبني الدعاوى الانفصالية.
ثالثا: أما بخصوص القرابة الأسرية، فإن أقرب الناس إليه هم أخواته وأبناء إخوته الذين لا زالوا على قيد الحياة، وهم يوجدون بالزاوية البصيرية ببني عياط بإقليم أزيلال، وببعض مدن الشمال المغربي.
رابعا: لابد من أخذ العلم أن المناضل محمد بصير أسس حركته بالسمارة في أواخر الستينيات، واختفى سنة 1970م، والكيان الوهمي أسس سنة 1973م، وبذلك يظهر بأن الأفكار الشيطانية الانفصالية نبتت بعد اختفائه قسريا، مما سهل على المرتزقة إلصاقها به بدون دليل وهو منها براء، وساعدتهم على ذلك العديد من الدول الأجنبية في التمويل والتحريض ضد المملكة المغربية.
خامسا: قدم مجموعة من المواطنين المغاربة الصحراويين الذين كانوا في حركة المناضل بصيري، كما يعرف المهتمون بتاريخ الصحراء المغربية، بعد اختفاء محمد بصير سنة 1972م، إلى الرباط ينشدون مساعدة الدولة المغربية ضد الاستعمار الإسباني، ونظرا لكون الدولة المغربية كانت تعيش ظروفا استثنائية على جميع الأصعدة، وكانت لديها أولويات أخرى، فإنها لم تلب طلب هؤلاء المواطنين الصحراويين، مما اضطرهم إلى التظاهر بطانطان وهم يحملون الأعلام المغربية وصور الملك الراحل الحسن الثاني عليه رحمات الله. فتم قمع تظاهرتهم بوسائل القمع المعروفة أيام الجنرال أوفقير، فعبروا عن غضبهم بالذهاب إلى منطقة الزويرات بموريتانيا.
السؤال هنا، لو لم يكن هؤلاء الصحراويين يعتبرون أنفسهم مغاربة لماذا يقدمون إلى الرباط بعد اختفاء بصيري لطلب المساعدة؟ ثم لماذا يتظاهرون ويحملون في أيديهم الأعلام المغربية وصور الملك الحسن الثاني لو لم يكونوا يعتبرون أنفسهم مغاربة؟، لذلك فمن يدعي بأن المناضل المغربي محمد بصير هو صاحب فكرة الانفصال عن الوطن فهو خاطئ ومخطئ، وغير مطلع على تاريخ الصحراء المغربية، وهذا ما أكده ويؤكده رفقاؤه في مقاومة الاستعمار الإسباني، سواء ممن لا زالوا على قيد الحياة بالدار البيضاء وبالرباط وبالأقاليم الجنوبية، أو ممن انتموا للكيان الوهمي حينا من الزمن وعادوا لوطنهم الأم.
سادسا: ثم إذا كان محمد بصير هو الزعيم الروحي للانفصال عن الوطن، لماذا لم يتم تسجيل ولو محاولة واحدة من قبل عصابة البوليزاريو لمطالبة الدولة الإسبانية بالكشف عن مصيره؟، ثم لماذا لم تطالب به البوليزاريو يوم قامت بتبادل الأسرى مع الدولة الإسبانية بمنطقة المحبس سنة 1975م، وقد كان الأمر مواتيا ومتاحا؟ وفي هذا المقام أذكر حادثة واقعية للتاريخ، فقد حدثنا أكثر من واحد من الصحراويين الذين حضروا للحدث، أنه بعد عملية تبادل الأسرى هذه، انتفض موسى البصير في وجه الولي مصطفى السيد، لأنه لم يطالب إسبانيا بالمناضل محمد بصير وكاد أن يضربه، لولا تدخل بعض الحاضرين. وهذه قصة واقعية مشهورة متواترة لا يستطيع أحد أن ينكرها. وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تناقض قيادة البوليزاريو، بين ادعاء أن المناضل محمد بصير هو الرمز الروحي للانفصال، والتنكر له بعدم المطالبة به يوم تبادل الأسرى سنة 1975م وبعد ذلك؟؟؟، وها قد مرت اثنان وخمسون سنة على اختفائه، فماذا قدمت البوليزاريو للصحراويين على جميع المستويات بشكل عام؟ وصدق الله العظيم حين يقول: “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”.
ختاما، لابد أن أقول شيئا عن الزاوية البصيرية، التي أسسها الشيخ سيدي إبراهيم البصير، والد المناضل محمد بصير، فقد انطلقت هذه الزاوية من الصحراء المغربية قبل حوالي مائتين وسبعين عاما، وأسست أول زاوية لها بمنطقة لخصاص بإقليم سيدي إفني بسوس سنة 1824م، وهي الزاوية المعروفة بزاوية سيدي امبارك البصير، وبعد ذلك أسست زواية الرميلة بمركش سنة 1903م، وبدوار الركيبات بالرحامنة سنة 1905م، وبعد ذلك بمنطقة لمعاشات بدكالة وبدرب اليهودي بالدار البيضاء وبالبروج بالشاوية وبالزيدانية نواحي بني ملال، ثم بإيرزان بالقرب من سد بين الويدان بالأطلس المتوسط، ثم بآيت وايو من بني عياط الجبلية، ثم استقرت أخيرا ببني عياط السهلية بأزيلال سنة 1912م.
فرحلة آل البصير من الصحراء المغربية منذ تاريخ متقدم واختيارهم الإقامة بمدن الشمال المغربي كافية في التأكيد على أن هذه الأسرة وأبناؤها وطنيون مغاربة، وأن هذا الوطن وطن واحد، فلا داعي للاستمرار في إنتاج المغالطات وإلهاء الموطنين الصحراويين المغاربة بالمناورات.
والذي تستغرب له الأسرة البصيرية بعد هذا كله، أن ميليشيات البوليزاريو لازالت تستغل اسم المناضل محمد بصير أبشع الاستغلالات في العديد من الأمور التالية:
أولا: ترويجها المستمر أنه الزعيم الروحي للانفصال دون دليل كما مر.
ثانيا: تدريس ذلك للأجيال الصحراوية في مقرراتها الدراسية. وهي بذلك تفتري عليهم وتدرسهم الضلال المبين.
ثالثا: استغلال صورته في افتتاح قناتها الفضائية وفي العديد من أنشطتها في الداخل والخارج.
رابعا: وضع تمثال له في متحفها، وتقديمه للوفود الأجنبية على أساس أنه الزعيم الروحي للانفصال.
خامسا: استغلال اسمه في تسمية العديد من الساحات والمؤسسات، والأفواج العسكرية، وكأنه جزء من تاريخها.
سادسا: الترويج لرفع دعاوى قضائية ضد إسبانيا وكأنها هي التي تملك الحق الأول في ذلك.
هذا الاستغلال البشع لهذا المقاوم المغربي، والذي لا ينبغي السكوت عنه بحال من الأحوال. وآن الأوان للوقوف ضد استمراره.