أعمدة

الادلاج

 

خواطر طبيب

بقلم/ دكتور علي بلدو

 

لم يكن صراع المال و السياسة و تنازع المصالح و نزاعات السلطة و الثروة و الجاه و السلطان , لم تكن وليدة الامس و اليوم بل تضرب بجذورها في اعماق التاريخ الحديث و القديم و تعود لماضي سحيق و يا له من ماض للذكريات.

و كم من مبدع ومفكر و كاتب و شاعر و نحات لقى حتفه قتلا و شنقا و حرقا لمجرد خلافه مع سلطان جائر و حاكم ظالم و حاشية فاسدة و بطانة من علماء السؤ الذين شغلوا بالدنيا فخسروا دنياهم و اخرتهم معا منذ ذياك الزمان و الي هذا الزمن.

و قد كان ظهر ببغداد سنة ثمان و ثلاثمائة رجل يعرف بالحسين بن منصور الحلاج و كان رجلا بسيطا عاملا و مهذبا و لم يسرق و لم ينهب و لم يتحلل كما يفعل الاخرون:

اينما ما مشى

كيفما جلس

لا يقولوا سرق

حاشا ما اختلس

و كان الحلاج ياكل من عمل يده لا من قوت الشعب و مال اليتامى و المعاشيين و الارامل, و كان يدعوا الناس لعبادة الله تعالى و الحاق القول بالعمل و كما كان يذهب لاهل السلطان و حاشيتهم الفاسدة و هو يقف على موضع الاموال و الذهب و يقول:

معبودكم تحت قدمي

و هو ما جلب له سخط مجلس شورى السلطان فوشوا به للوزير علي بن عيسى فاحضره و حكم عليه ايجازيا بالجلد الف سوط حتى تقطعت اعضاءه و لكنه لم يتاوه و لم يتالم و لم يتجرس و لم يكتب تعهدا و لم يتحول لشاهد ملك كما فعل بعض الرجال المحترمين جدا و لكنه كان ينشد :

و حرمة الود الذي لم يكن يطمع في افساده االدهر

ما نالني عند نزول البلا جهد و لا مسني الضر

ما قد لي عضو و لا مفصل الا كان به يا رب لكم ذكر

و كان يمشي فاذا سمع القران يتلى يبكي و يتواجد و ترتفع رجلاه هياما من على الارض و هو يقول:

من اطلعوه على سر فباح به لا يامنوه على الاسرار ما عاشا

و عاقبوه على ما كان من زلل و الزموه مكان الانس ايحاشا

و لما فاض الكيل باهل السلطان وجهوا له تهمة تقويض النظام لكونه يدعوا للحق و تهمة الازعاج العام لذكره الله جهرا في الليالي و كذلك تهمة الثراء الحرام لعثورهم علي دينار بخزانته و ايضا التجمع المحظور لاقامته حلقات الذكر و ووجهوا له ايضا تهمة الاشتراك الجنائي لقيامه بتلقين اتباعه اصول الدين الجد الجد و ليس دين العسس و الجند و حاشية السلطان الفاسدة و المرتشية و المفسدة’ و بعدها قدموه لمحاكمة صورية و نطق قاضيها بالاعدام صلبا و شنقا , و ليتقدم بعدها الحلاج مبتسما و هو يختتم صلاته و ينشد باخر ما قاله قبل انتقاله لعالم العدل و الحق:

اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حياتي

و مماتي في حياتي و حياتي في مماتي

و امهلوني كي اصلي و لتروا كيف صلاتي

و ضعوا القران فوقي انه حبل نجاتي

مات الحلاج و ابن الثلاثين من العمر و بكاه الناس سرا و اهل الحظوة و التمكين جهرا و علنا , و لازلنا نرى الي اليوم حلاج هنا و اخر هناك و هو يعاني و يموت ببطء بسيف السياسة التي تقطع عنق الابداع و تقتل المبدعين و ما اكثرهم.وليس ذاك السيف عنا ببعيد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى