
عادل الباز من بلد الطيب صالح
بقلم/محمد عكاشة
مدينةُ بيروت شتاءَ العام 2002م استضافت مُؤتمراً لمؤسسة الفكر العربي لصاحِبها الاميرخالد الفيصل يتداعي إليه المفكرون العرب للتداولِ حول دفعِ الثقافة في حياة الشعوب العربية.
خلال المؤتمر حاورتُ الكاتبةُ الجزائرية أحلام مستغانمي وهي لا تكاد تُخفي إعجابها بالسُودانيين وعلُو كعبهم في مجال الإنتاج الثقافي والكتابةِ الإبداعية بالإشارةِ إلي مدينة بيروت ذاتها فهي عبرَ (دار العودة ) نهدت في مجال النشر تزيدُ طبعات روايات الطيب صالح وأعماله.
مستغانمي تستغربُ تندهشُ بأن رجال الأعمال السُودانيين ذاتهم يقتطعون وقتاً ثميناً ينشغلون فيه بقضايا الثقافةِ والأدب وهي تضربُ مثلاً السيّد صلاح إدريس فهو رغم عمله إلا أنها علمت أنه يكتبُ ويُلحن ويدأبٕ ناشطاً في الحقل الثقافي.
صَديقنا عادل احمدالباز كاتبٌ بريعٌ بديع وموهبةِ موثوقة وإنَ أعظم إنشغالاته هو ماتعلقَ بالمسألة الثقافية والتوثيق الكتابي والابداعي فهو منتصفُ سبعينيّات القرن الماضي مٕذ كان طالباً بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم يكتبُ في الصحافة الجامعية شذراتٍ ثقافية وشذورٍ من الأدب ثم هو في وقتٍ لاحق يتشاركُ إصدارات ثقافية منتصف الثمانينيّات في محاولات أسهمت في تحريك الساكن الثقافي ثم هو منتصف التسعينات يجعل من ( بيت الثقافة) بؤرةُ نشاطٍ يشتعل بالاصدارات والدوريات والمنتديات الراتبة ثم من بعدُ يقومُ يستثمرُ في الإنتاج التلفزيوني تتعثرُ خُطاه ليعودَ يرأسُ عدداً من الصحف اليومية.
قبلَ بضعةِ أعوام نستمسكُ بالرهان ونحنُ عُصبةُ منتجو برامج على تقديم سهرة رمضانية في قناة النيل الأزرق تعتمد الحوار فقط دون مٕصاحبة غنائية كما هي عادة السهرات وعلى الرغم من تردُد إدارة القناة إلا أن إصرارَ فريق الإعداد أكدَ على إنجاحِ الفكرة التي تقومٕ علي طرح قضية واستضافة خمسة أشخاص يمُثلون وجهة نظر وخمسةٌ في الجهة المقابلة يُمثلون وجهة النظر المُغايرة ولقد تم طرح موضوع يتعلقُ بأهمية الملفات الثقافية في الصحف السياسية وكان مأمون التلب وعثمان شنقر وآخرين يُمثلون الملف الثقافي في مواجهة عدد من رؤساء التحرير من الوزن الثقيل.
الملفاتُ والملاحق الثقافية في الصُحف السياسية لا تحظي بإهتمام رؤساء التحرير وبعضهم يعدونها ( تمومة جرتق ) فحوار يُجريه الأستاذ عيسي الحلو مع قامةٍ ثقافية مثل محمد مفتاح الفيتوري ليس لهُ قيمةٌ لقاء صفحة إعلانية مقبوضةٕ الثمن تعلن عن مصنعٍ لأكياس القمامة على الرغم من مضارِ أكياس البلاستيك على صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
في تلك الحلقة علي الهواء مُباشرة اتصل عادل الباز يطلبُ مداخلةً بالهاتف وهو إذ يفعلُ يدعمُ أهمية الملفات الثقافية ودورها ثم هو يسألُ رؤساء التحرير في هندامهم الجميل ويتحدى بالسؤال عن ماهو آخر كتابٍ قرأتموه؟ ومتي كان ذلك ؟ ولكن لم يُحر قادة الراي هؤلاء إجابةُ السؤال وعادل الباز مثلُ شيخه عبد القادر المازني يقرضُ الكتب قرضاً كما النعامة.
شركة (زين) للإتصالات قبل بضعةِ أعوام ابتدرت عملاً ملهماً تحتفي بأحد (حُراس الروح) وأحد الذين حين يختلف السودانيون إلى عواصم العالم يشعر الواحد منهم بالفخر مرفوع الرأس بأنه من بلد الطيب صالح.
جائزة الطيب صالح للتوثيق الكتابي تنطلقُ من الخرطوم تحت رعاية وتنظيم شركة (زين) مَشروعاً طَماحاً ولئن تأخر كثيراً بسببِ موقف نظام الإنقاذ من الرجل ومن الثقافة والأدب ذاتها ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي فالطيب صالح اسم سارت بذكر أعمالهِ الركبان.
الدكتور جون قرنق دي مابيور قدم مشروعه ميثاق الحركة الشعبية لتحرير السودان علي أساس ثقافي ببحث التنوع التاريخي لأهل السودان للإستفادة منه لكتابة التاريخ المُعاصر لأجل وحدة طوعية جامعة تجعل( المواطنة) معياراً للحقوق والواجبات بمايحفظ ( كرامة) السودانيين دون إستعلاءٍ ثقافي أوديني ولذا فحين هبط نائب الرئيس السوداني مدينة نيروبي قبيل مفاوضات مجاكوس بعدأن أوكت يداه وحزبه من حرب الجنوب طلب لقاء دكتور جون وهو يعلم أنه = قرنق = في إجازته السنوية وهو يعرفُ مُسبقاً السبيل والإجراءاتَ المطلوبة لترتيب مثل هذه اللقاءات فالدكتور جون قرنق ليسَ حامل سلاح يقطع الطريق مثلما هو ليس بقائد مليشيا علي سبيل الإرتزاق وإنما هو صاحبُ قضية وزعيم مناضل ذو علاقات دولية واسعة يخف إلى لقاءه قادة الدول ورؤساء المنظمات الدولية وصحافيو منصات الإعلام المرموقة.
سعادة ( النائب ) يتمادى في طلبه لحاجة في نفس يعقوب فيسعي لغرضِه بوساطة الرئيس الكيني ذاته وحينها يعتذر د.جون بالقول:-
( سيدي الرئيس..ضيفك يعرف الإجراءات وسكرتاريته تعرف أيضاً.
سيدي الرئيس إن الحرب في السودان تدور رحاها لعقود طويلة لسبب واحد.. سبب اسمه الكرامة).
عندها يشعُر الوسيط بالرضا ليعتذرَ لضيفه الذي أراد بطلبه جس النبض وجس استعدادات الرجل للتنازلِ والاستخذاء بشأن قضيته ليجده مثل صديقه الطيب صالح وقد أسمع كلاهما صوته وكلماته من به صمم:-
( إنني لست ريشة فى مهب الريح ولكني مثل تلك النخلة.. مخلوق له أصل..له جذور..وله هدف ).
القضية في السودان ليست سياسية أو إقتصادية وإنما هي بالأساس ذات منحى ثقافي بما يُعززُ قَبول الآخر وإحترام مُعتقداته ورعاية حقوق الإنسان وحفظ كرامته..والمشكلة حينها لم تك في د.جون قرنق أو في الجنوب وإنما المشكلة كانت في الشمال مثلما قال الأستاذ محمود محمد طه.
___________
صحيفة المواكب
الأحد 25أبريل 2021م