قراءة فى قصة أمرأة خيدع لمحمد عكاشة (3_1)

بقلم /دكتورأبو القاسم قور
وتجول وحدك كماالسحابة
Wondering alone like a cloud
لا أدرى ما علاقة بيت الشعر الانجليزى هذا ، بقصة أمرأة خيدع – بتسكين- الياء. للقاص السودانى الشاب محمد عكاشة فهى امرأة فيعل!! أما صيغة المبالغة من خدع هى خداع وربما خيدع من صنع وصك محمد عكاشة وحده لم يسبقه عليها أحد قط.
أمرأة خادع ، أمرأة طالق ، وأمرأة خداعة ، لكنها خيدع تبدو أكثر تجذراً ، وامعاناً فى التضليل، فتبدو كانها أمرأة لم تكن ، فهى كالماء (تحت التبن).
أما التبن فهو نوع من أنواع العشب ينمو ويطفو بمكيدة وخدعة طبيعية متقنة فوق الماء ، فيحسبه السائر عشباً فوق أرض بلقع صلد جلد فاذ ما صار فوقه علا زلجاً عن حين غرة فيغوص فى الماء غرقاً حتى الموت.
كذلك العرب ( البقارة) لهم وصف للمرأة اللعوب ، الخادع ، والغانية الفاتنة التى تجر الرجال مهالك والتى لا ينج من يسلك دروبها من عواقب وخيمة، فيقولون عنها( أمرأة درنقاس).
والدرنقاس حفرة ، يتم حفرها فى قلب الطريق فوق قارعته، خاصة تلك الطرقات الضيقة بين الأعشاب، والوديان ، والاشجار فتنهار تحت قدم عاليها ليصير هو سافلها.
(أمرأة خيدع) كتبها محمد عكاشة شاب سودانى من طين الشتات وطين السودان اللازب، عرفته قبل خروجه من ألسودان يعانى احتباس ابداعى ، وقلق دائرى ( القلق الدائرى من وصف الكاتب) فهو (نوع من القلق المشوب بالترقب ، والاستعداد لعمل الاشياء ثم الاحساس بأن الاشياء لم تكتمل ولا يوجد من يهتم بانجازات الآخرين فى ظل الديناصورية السياسية)،
هذا القلق دفعه لقضم فترات التعليم قضباً متعباً سريعاً معسراً ، فما أن أكمل، حتى يمن وجهه شطر معهد الموسيقى والمسرح ، كان سارحاً فى محاضرات النقد يمارس عملية الترجيع الابداعى ، فعلمت أن أمثاله لم يخلقوا ليدرسوا النقد ثم وجدته بكثافة على صفحات الجرايد والصحف السيارة وأخيرا عض بالنواجذ ليحط بقجته بالقاهرة.
فى نهاية ابريل الماضى بدأت أحس أنفاسى. وهو احساس عجيب. .
أقول احساس مخيف ومرعب أن تحس أنفاسك ، فتبدو الحياة صعبة مع كل نفس . انها عملية شحتفة. أى اننى بدأت أحس عملية التنفس التى تعلمت منذ الاولية فى حصة العلوم انها عماية غير اردية ، ثم ازدادت حرارت أنفاسى فبدأت أحس حرقاناً عند الزور تحت ( القريجمة) بعد ان تكاثر على الكذابون، النمامون ، الزنماء – من زنيم- فنصحنى صديق طبيب باجازة واستراحة، حملت حوائى °) وابنائى (محمد ، غالية ، ومنتصر) فجئت للقاهرة مستشفيا.
فى اليوم الثانى لوصولى للقاهرة وفى السابع عشر من أبريل كانت قصة ( أمراة خيدع) معى ، ومن يومها وأنا مقطوع الرأس ، ومحتار ، ما بين الجنون والشبق فهل قامت قيامة محمد عكاشة.
هل حقيقة أمطر عكاشة وحده كما لسحابةdose he winter alone like a cloud .مهمة صعبة تستدعى شهادة نقدية فى ازمنة الشهادات النقدية المجروحة من عهد المشروع الحضارى التايتنيكى الظلوطى الى ازمنة الخرطوم عاصمة للثقافة العربية و مسرح البقعة الخناف ، ازمنة العضاريض المتنطرين.
.. ( كان هذا هو لقائى الثالث بها وتلك كانت لقاءات عابرة.. قالت وهى تعض على شفتها السفلى من جهة الشمال للواقف قبالتها ورمش عينيها الواسعتين يغمضان اثناء ذلك ويرفان)
نقلة واحدة على رقعة القصة القصيرة كفيلة تحديد وجهة الكاتب ، نسف الزمان والمكان. أعنى نسف المكان الموضوعى فالزمان شيئ نسبى ، ولا يمكننا أن نتخيل أو نحس أزمنة دون أمكنة ، كما يرى انشتاين ( لا يوجد مكان فارغ)، فهل مهمة الناقد تشمل ايجاد شروط منطقية لآثار ابداعية غير اقليديسية..احتفاء لغوى، واجتراح مفردات الاحتشاد الإبداعي.
هذه قصة مبعثرة ، فوضى قصصية. جسد ، أثر ابداعى مبعثر ، حالة من الحالات التى ناهزت أن تكون.
هذه ليست أمرأة خيدع بل ( قصة خيدع) مثل هذه الآثار هى الاخرى خيدع ، فترى النقاد فيها سكارى وماهم بسكارى لكن للنقد أبوابه.أقول هذا مهمة عسيرة لأنها بالغة التعقيد فالنقد يبحث عن مقولات منطقية موضوعية .الا قاتل الله النقد لماذا لم نعلن نهاية تاريخ النقد ، طالما اننا نعيش نهاية التاريخ نفسه. أعنى بمفهوم فوكاياما فلسفى عميق نفسه قد أكتملت نظرية النقد بفترة ما بعد الحداثة والنماذج لماذا لا نعلن نهاية تاريخ النقد.
كلاسيكياً لابد من أن أؤسس روؤيتى.
لابد من ايجاد مدخل نقدى منطقى لمقاربة هذا النص الفوضوى، ربما مات عكاشة – لا قدر ألله- وبقى النص، فظللت ارغبه عن قرب ، ظللت اتسلل الى مخدعه الى علب سجائره، وعلب البيرة الفارغة فى نهار القاهرة الكسول.
أقود حوائى فى ليل القاهرة الخميلCairo soft night لأسمع ( انتصاره ).
كنت امارس الخيانة النقدية ، لكنها حلال.. قدر (برادلى) انه جاء بعد موت شكسبير ، فاذا كان عكاشة موجودأ حياً يمارس حياته القاهرية لماذا نحاكم نصه عدماً ، كان كل شيئ مختلف، عكاشة داخل النص ليس الراوى.. أتهمته بحالة طيب صالحية ، تلك ( الشيمة) فخسرت تهمتى.يوجد عكاشة الكاتب ، أما الراوى شخص آخر سقطت شيمة مصطفى سعيد،. تلك محنة لقد فشلت المكيدة الأولى ، فشلت عملية التسلل الى مخدع الكاتب عدت الى حوائى آدماً دون تفاحة.
قلت هذه قصة بها اخصاء ابداعى لابد من من وسيلة ، فطفقت ضاربا فى يباب الارض والناقد مثل ( الككو ) القرد ، لا تغلبه شجرة ، ويعرف كيف يتسلق أشد الاشجار ملطاً وملاسة ، فيلف ذيله هنا، ويعقل اظفار اصابعه وأرجله هناك ثم يقفز بين فرعين متأرجحاً ، ومتطوطحاً حتى يقبض على فرع متين.
وأنا أمارس هذه الشقلبة النقدية ، بدأت اراجع صورة محمد عكاشة ،
ابحث عن مرجعيته كنت أمارس حالة ترتيب صورة أبستمولجية تاريخياً وصورة تقريبية لحالة محمد عكاشة،
أفحص مقولاته ،ابحث عن آخرين يمثلون مجموعته المرجعية ثم فجأة وجدتها.
كنت أفعل كل ذلك حتى لا أضطر الى مقارعة بنية النص ، فتلك هى آخر خطوطى النقدية ، فأنا ألعب نقدياً بخطة ( كلاسيك ، تاريخ ، واقع ) ولا أمارس حالة المواجهات البنوية الا بعد الفشل .
أنا من ذلك النوع الذى يحب أن يحكى ، ويتفشى نقدياً هى فرصتي الوحيدة بعد الأربعين وأنا أعيش الحياة بأطراف حواسى،
فظللت أكبر بهذه الخصيصة، يجب الا اضطر الى مقارعة البنية لأنها سوف تمسطر هذه القصة البديعة ، ستحيلها الى عمليات احصاء ، وجرد ، وكنس.
هذا أثر أبداعى كنز ربما أفادنى فى تفجير بحثى عن أثر انقلاب 29 يوليو 1989 على الفنانين والابداع فى السودان ، أوقل ذلك خارج المنفستو السياسى والتبديات الايدولوجيه واستكشاف ازمة هذا الجيل، لابد من ايجاد مدخل لمقولات هذا الجيل ، كنت اراجع مقولات ، ومفردات عكاشة ثم فجأة وجدتها..وجدتها ها أنا أخرج أسمرا من غير شك أردد وجدتها.. وجدتها ،
لقد وجدت ما نسميه (المقدمة المنطقية للاثر الابداعى).
نعم هناك دائماً مقدمة منطقية لأى اثر ابداعى ، مهما تدثر فى الغموض وبلغ درجة منقطعة النظير فى ذلك مثل ضربات فرشاة فان جوخ ، أو ترميز جيمس جويس، أو بسمة الجوكندا، لابد من شيئ منطقى.
لقد وجدت المقدمة المنطقية فى قصة امرأة خيدع
أمرأة خيدع بين جدل الاسطاطيقا و غاية الإبداع.
هذه هى المقدمة المنطقية لقصة امرأة خيدع أنظر قول الكاتب:- ( عند فلافسفة الاسطاطيقا لو أنك حددت فى فتاة بارعة الجمال شيئًا ما محددا أعجبك. . أنفها جميل مثلا أو خدها أسيل أو ان خصرها مياس و قوامها لادن .
لو حددت فهذا يعنى انتقاصاً من القيمة الكلية للجمال الكامن وراءها)
ورد ذلك على لسان الراوى ،
كان الراوى متربصاً بفريسته، كان ينسج خيوطه، يحيك مؤامراته ، ولغته الجميله ثم بضربه وا حده سقطت الفريسة:-
( بدا عليها شيئا من الاضطراب أخفته بابتسامة عرفتها فيما بعد وغرور طاغ عذبنى زمانا ليس بالقصير.
ثم قالت وخدها محمر وعطرها يضوع نبيذاً نفاذاً وحضورها يملأ المكان.
– أنا لا افهم فى الفلسفة ، أفهم فى فنون الدعاية والترويج والاعلان.
لكن أحساسا جميلاً انتابنى وحديثك حول مفهوم الجمال وفلاسفته.
المتن الذى قلت يحتاج شروحا وحواشى ومتون)
لم تكن تلك قصة بريئة كما كنت أحسب ، نعم ليست مجموعة من التبعثر الجسدى الابداعى،أو نوع من التعرى الحر انها ايدلوجيا جمالية.
انه أول منفستو ابداعى لما يسمون أنفسهم بالجماليين.
لقد فقد الكاتب والقاص ايمانه السياسى والايدلوجى،
كانت خطورة التحولات السياسية الكبرى التى طرأت على السودان منذ مجيئ حكومة الانقاذ انها نسفت الايدلوجيا فوق رؤوس الفنانين والكتاب.
فنهاية القرن العشرين فيها قيامة ايدلوجيا السودان. فالانقلاب العسكرى كرس لمكافحة ، وابعاد وتهميش المفكرين والمثقفين من الاسلاميين ذلك لضرورة تاكتيكية.كما طوت سنة 1989 صفحات الدولة الشيوعية.كانت خسارة التنظير الماركسى فى الفن كبيرة ولازالت تشكل فراغا وذهولا أما على الصعيد المحلى فعندما عادت الحقيقة ، وخرج الدكتور الترابى من السجن ، اسقط فى يد الفنانين عندما علموا انهم قد تم ابعادهم بخطة ترابية ، وان المرحلة التاكتيكية تستدعى عدم التعامل مع الفنانين الاسلاميين لانهم معروفين وصارخين،
لج قلب الفنانين الاسلاميين وكفروا بالحزبية السياسية فبحثوا عن بديل، فتشبث هؤلاء بجماليتهم. كان أول الجماليين ، واول من تحدث فى هذا الشأن هو الأستاذ السر السيد وهو صديق مقرب للقاص عكاشة. كان السر السيد مؤسس لحركة الاتجاه الاسلامى بمعهد الموسيقى والدراما ، لكنه تخلى عن الحركة فى مطلع الثمانينات ، وهو ناقد وكاتب واسع الاطلاع والمعرفة فبدأ يتحدث عن ( حزب الجماليين) فهى دعوة لها جذورها فى تاريخ الفنون.
أما عكاشة فلم أعرف له تاريخ اسلامى لكن علمت قد ضربت عليه دوائر مجموعات الحركة الفنية الاسلامية ومؤسساتها الثقافية، وهى كلها مجموعات لها تنظيمها السرى الذى يعمل على اقصاء كل مبدع حقيقى.قصة امرأة خيدع تعبر عن أزمة جيل ما بعد الايدلوجيا ، جيل الازمة السياسية ، قصة بها كل التفريغ ، والفرقعات النفسية. فالقصة التى بدأت بمواجهة بين الاسطاطيقا و الغاية الجمالية تنفجر مرات بحرية حب ولذة لدرجة المسافدة (.. كأنى لم أسافدها ذاك النهار وقد فعلت كل شيئ)!!لم تكتف القصة بالتسلسل بل لم تدع له بالا على الاطلاق ، فرس جامح، قلم يصوت لكنها تعود الى ازمنة مجهولة :-
( تركت لى الباب موارباً تخيرت وقتاً مناسباً..وقت الضحى واختلاف الأرجل فى طلب الرزق ومكابدة ظروف الحياة الماحقة هى لا تخشى المجتمع كثيرا وتتعمد هزيمته بالضربات القاضية.
أوصدت الباب ورائى ، وجلست فى هدوء حيث لا حركة فى المكان ولا نأمه سوى صوت الماء يترقرق من جهة الحمام.
ثم نكصت برهة الى ماضى الذكريات)
__
قراءة فى قصة أمرأة خيدع لمحمد عكاشة
(3-2)
د.أبو القاسم قور
كان انطوان تشيخوف يكتب القصة بطول منقار الغراب فيقول له الناشر (اختصر يا بنى..أختصر يا بنى)!!!
طالت أم قصرت قصة (امراة خيدع) لكاتبها السودانى محمد عكاشة ستظل علامة فارقة فى تبديات ( ابداع الشتات).
هذا أمر يحتاج لنظر كما يقول الازهريون.
الشخصية المحورية فى هذه القصة فتاة جميلة لعوب فقط. نعم فقط حسناء لعوب ، بالطبع هذا أمر عادى.فما أكثرهن فى اطار الدافعية الابداعية.لأن وجود فتاة حسناء وحده لا يكفي لصنع قصة.
أقول ذلك بردوكسيا ليست هناك قصة فى قولك ( عض الكلب الولد)، فما أكثر تلك الكلاب التى ظلت تعض الناس عبر التاريخ لكن القصة هى أن ( يعض الولد الكلب) تلك هى المسألة.لقد أنتهى زمان الدهشة والتطهير و( التقليد) منذ أحداث 11 نوفمبر .
لقد انهار خيال العالم ليبدأ عالم اسطرة التاريخ.
أسطرة هذه الحسناء اللعوب هو ما يجعل من هذا الاثر شيئا جديراً بالمقاربة :-
(..هى امرأة غامضة ومتناقضة. وسأحكى لكم عنها فصولا أخرى!!
عند أسوارها تكسرت النصال على النصال.
نهدت نحوى من فوق مكتبها ونصفها الأعلى منصوب وعينى مبصرة وقد أسندت رسغ يديها الى سطح المنضدة الزجاجى وراحتيهما مضمومتين الى خديها الازهرين.. المتوردين والعطر ذاته ورائحة الجسد.
لم تقل شيئًا ولم تنبس ببنت شفة ولكن حركتها التى أتت أخبرت عن كثير.
تريثت قليلًا.. حدجتنى بنظرة ثم أخرى وعادت تقول فى نصف استداره)
اللغة والجنس محوران ظاهران طغيا على سطح قصة ( أمرأة خيدع)،
انفجاران مدويان مضللان فى منظومة على رافعة جدل الاسطاطيقا و غاية الابداع.
أما اللغة فلها مرجعيتها التاريخية كأساس جمالى تكوينى لدى الكاتب.
تاريخ الكاتب وسيرته الذاتية تحدثنا عن تربية دينية صوفية.
علمت انه كان إمام المصلين فى خلوة أبيه.
أما والده فهو عالم متفقه فى الدين واللغة ، ويحمل درجة الدكتوراة فى اللغة.
نشأ الكاتب نشأة دينية يحفها حبور التصوف وإشراق اللغة ودندنة المدائح،
نشأة دينية صوفية محافظة، وهو ما نستشفه من شاعرية لغوية غنائية زهاء طاهرية[ii]
(ذاك المساء..دلقت شيئاً من عطر أهدتنيه وهى تحتفى بى على نحو خاص.
هى قالت عيد ميلادى.
سنوات طويلة عبرت من عمرى ومياه كثيرة جرت تحت الجسر ومضت على الرسم أحداث وأزمان.
أحزان أفضت بى الى أحزان وعبرات خانقة والسعادة طيف يعبر ولا يقيم طويلاً وآلام و تجترح المسعى وطموحات مؤؤدة وصبوات ماجنة.
ثلاثة عقود ونصف تزيد ولا تنقص وأنا لا أنتبه لحظة الى ذاك الصبح الذى يوم مولدى.. لا احد ينتبه..ولا أمى ووالدى..لا أحد. . حتى انا نفسى لم انتبه الا يوم ذكرتنى به)
على هذا النحوتضرب اللغة بسلطتها على الحكاية.
بل كثيراً ما بدت اللغة مشروعاً جماليا ، وفضاءا احتفائياً تطريبيا يضج بالاصوات:-
(.. هى مثل الخريف وزخات المطر تمنح الحياة فصولها وتعمل على ارواء فسائل المحبة والرغبة المستزيدة.
هى من بعد الغياب والزيجة والمشؤومة تطلب المحضن الدافيئ والقلب العطوف والحنان الدافق…).
أما الجنس فهو كل شيئ ضد ( أنا) التنشأة، لكأن الكاتب يتحدى بتمرد وعناد بنيته الفوقية، بل هذا واقعه.
هذا الاصرار ، والتكثيف الموغل فى الجنس ما هى الى عمليات نكوص ، واسقاط ومواجهة للقيم .
الكاتب يتحدى (التابو) لذلك يكثف ويكثر ، بل يفرط فى تصوير الجنس بكل أنواعه ، ويشتط استفزازا، يخرج لسانه ، ليقول أنا حر وسأتحدث فى الممنوع:-
(ذات مساء والدهر ينقض أيامنا عروة عروة.
وفى ليلة صاخبة وقعت عينى على احدى صويحباته.
دنوت منها وهى تعلم ان حكايته معها هى محل اعجابنا ومبلغ علمنا.
سألتها عن سر تعلق الفتيات به دون ان تغار الواحدة من الأخريات وهى شقية صفيقة اللسان وتطرب لمثل هذه الأمور.
اجابتني أن من خصائصه الجاذبة حال الفعل كان يزأر مثل اسد هصور ينقض على فريسته بكامل قواه وان طاقته كانت من طاقة حصان أشم.
قالت وهى تدنو منى ورائحة جسدها تثيرنى اثارة كاملة وطريقتها تجذبنى الى هناك.
قالت بأنه لا يمل ولا يشبع ويفعل مثنى وثلاث فى الليلة الواحدة ومرات عديدة كان يصطحبنى وأخرى على فراش واحد).
(أمراة خيدع ) قصة بها انفجار باهظ التكاليف على كاتبها وقارئها.
فهى قصة ملقومة تنبيئ عن عواقب.. أوب Op.
لقد مضى زمن كثير فشل فيه الفكر السودانى فى منظومة المأسسة والتاريخ.
كان كل جيل يذهب الى ديناصورية ، وعمليات استبقاء خرافية ،أوتعمير كونى على كافة الاصعدة. كانت كل حقبة سيا-ثقافية سودانية تكنس آثار ما قبلها من فترات أوتجبها بجشع غولى حتى صار السودان مكان بلا تاريخ ( أعنى المعنى الفلسفى للتاريخ)، عمق التاريخ، ميكنيزم التاريخ ، جدله الداخلى الذى يعمل على ترتيب الاشياء.
لقد تسيب التاريخ فى هذا الجزء من العالم ليصبح ( السودان -المكان ) فائضاً للعالم!! يقذف بمبدعيه الى الشتات فيكبرون وسط الأهوال، والغربة، تعجنهم الحياة عجنا، بلا بواكى.
هل نحن قوم بلا هامش يتحمل الخصائص الاستثنائية للمبدع السودانى.
ماذا يفيد نجاح الساسة فوق أرض بلقع بلا ابداع ، أرض بور ، أرض يباب. هجرة الكتاب ، المبدعون ، الفنانون شتاتهم المريع هو خراب ديار أم السودان بدءا من غربة الطيب صالح مرورا بعبد الله على ابراهيم ، ابراهيم محمد زين، الموصلى ، تماضر ، يحيى فضل الله، السمانى لوال وآخرين وآخرين ولا زالت الغوافل تتوالى.
كيف يحلم الساسة بدولة بلا مجتمع. لقد مضى زمن علينا نحن ( قبل الشتات)
أن نكتشف وسيلة للتواصل مع ( الشتات).
ما أقوله ليس تخريصا ، أو برطعة بل هو ما يقوم به المبدعون فى هذا القرن السبرنى.
أذكر فى عام 2000م تلقيت دعوة من البروفسير كنتلبو استاذ الادب بجامعة بنسلفانيا لحضور مؤتمر ( ضد كل الصعاب ) Against All Odds الذى تم باسمرا عاصمة اريتريا برعاية الرئيس أفورقى.
كان المؤتمر يبحث أمر اللغة والادب فى الدولة الوليدة بعد انتصار الثورة ،
لقد تداعى له كل الكتاب والادباء ، الاريتريون والافارقة وكافة العالم ليؤسس نمط ونظام للتواصل والتماسك.
فمن يقف معى فى تصعيد مشروع مثل هذا. يمكن يأتى ( الشتات) ثم يعودوا الى مواقعهم.
لماذا تقيم الحكومة المؤتمرات فى كل شيئ ولا تقيم مؤتمرا واحدا لفنانى الشتات؟ !!
ها قد أنقضت اجازة الاستشفاء ولا زال الالم فى الزور سأعود الى الخرطوم حاملاً راية دعوة الى مؤتمر فنانى الشتات السودانى. مفيش حد أحسن من حد.
لا حظ مفردة ( لا أحد ) فى السياق التاريخى للغربة لقاص الشتات السودانى محمد عكاشة.
انها مكيدة ابداعية بارعة وهى أن يغطى الكاتب اثره بمفردات الجنس والصهيل الشعرى ليصنع نصا مرئيا خادعاً لأثره الابداعى لكن ما خفى أعظم .
النص الخفى به تمرد ، انفجار ، ثورة ، لعنة ، فقدان كامل للايمان ، ولسان حاله يقول ليس هناك أسوأ من الذى حدث ، ها أنا أعلن لكم حالتى (كضد) كل شيئ من السياسة الى الاخلاق ، والعادات، والدين،كل أنظمة التفكير . . انها قصة تمور بكارثة لكنها ساخطة سياسياً :-
(ثلاثة عقود وعيتها مبهورا بشعار (لا) للمعونة وغيرها من شعارات فضفاضة لا تسمن ولا تغن من جوع والحرية شعار والديمقراطية والعدل أساس الحكم.
المذياع يسهب ويطنب اطناباً فى موسيقاه للتذكير ببيان هام.
طفقت من فراشى أذرع البيت جيئة وذهابا واسائل النفس عمن هو الآتي؟!
———————–
هوامش
– أنظر الحلقة الأولى
[ii] – أعنى القاص السودانى زهاء الطاهر.فما كتب أجمل منه لغة ، فهو قاص ، صير اللغة بطلا فى قصصه
– أنا اقسم المشروع الابداعى فى السودان الى نمطين نمط( فنانو الشتات) و فنانو ( اللاشتات) ، وأرى ان المشروعين سيتكاملان لينتهيا الى ما أسميه بمدرسة ( الغربة).لكن ستظل مرحل النمطين هامة فى التكوين والجدل التاريخى للفكر السودانى. راجع مقالتى بعنوان ( عبد الله على ابراهيم زمكانية الغربة) ارشيف الصحافة لعام يوليو / أغسطس 2005م
____
قراءة في قصة إمرأة خيدع لمحمد عكاشة
(3-3)
د. أبوالقاسم قور
هذه هى الحلقة الثالثة لهذه القراءة، وخاتمة قولى وخلاصة محاورتى لحكاية ( أمرأة خيدع) لكاتبها الشاب محمد عكاشة المقيم الآن بالقاهرة.
لقد كان انفعالى بها قوياً لدرجة فاقت فيها أطر التحسيس النقدى ، والتؤدة.
لكن النقد أحياناً لا يخلو من انعصاب وجدانى فهو إبداع ، فالمعذرة للقاريئ الكريم على افراطى، لقد كنت مفرطاً ،
ألم اقل قد عشت عمرى على اطراف حواسى ، وما اشبهنى ببطل مسرحية ( البابور جاز ) للكاتب والفيلسوف الاجتماعى السودانى ( حمدنالله عبدالقادر).
لكن ستظل قصة ( أمرأة خيدع) مدخلاً جمالياً لمعرفة تبديات العقدية والتحولات التاريخية والأدبية ل(لأبداع الشتات).
نعم الخوف من التاريخ ظاهرة عربية مستفحلة ، غير طارئة بل هى راكزة ليظل الفكر العربى مثقلاً بشفاهية بائنة،
من هذا التاريخ الشفاهى تم افتراع تاريخ السودان افتراعا جائراً .
الفترة 1989- 2005 م فترة هامة فى تاريخ السوداتنى الجيوبلوتكي.
كذلك لا يمكن فصل تاريخ الحركة الابداعية السودانية كجذر أصيل فى تاريخ الفكر السودانى من كل هذا التحولات الجيو بولتيكية.
فى هذه الفترة انهارت كل تخلقات البرجوازية السودانية ، والايدلوجية بدءا من الماركسية الى الاسلام السياسى ولكأن عام 1989 هو بداية نسف شيئ أو بداية تخلق شيئ جديد ،
لأننا فى مرحلة تستدعى تحولات جذرية .
فى هذه الفترة وحدها لقد فر من السودان نحو 900 مبدع سودانى مبدع محترف ، لا يمكن أن يكون ذلك حدثاً عارضاً.
القصة التى أعلنت تمرداً على القيم السودانية هى نوع من أنواع الاسقاط ،ازمة الخروج الكامل:-
(قبلتنى طويلًا ورضابها عذب وأنفاسها تختلط بانفاسى اللاهثة المتقطعة.. توتر مشبوب..تنفض يدها لتتلمس من تحت القميص مواطن الاحساس والنشوى فى حالة هستيرية لاهبة وصوت مبحوح مثل فحيح الافعى) ،
أو تقول القصة:-
( ورأسها فوق صدرى ، وعينى زائغة هناك.
عند مفرق النهدين النافرين وصدرها يغلى كالمرجل وأكاد أسمع له زمجرة ورجز ورعود).
ظل الكاتب يمارس لعبة شاعرية ودفق وجدانى فياض لدرجة ستسقط فيها عبارات ومفردات النقد الوصفى فى أى احداثيات أو دوال قاطعة،
فهى قصة تفرض بناء نصاً نقدياً إبداعياً موازيا،
هذه الشاعرية الحدسية لها احالاتها ومرجعياتها الصوفية لاحظ مفردة ( رجز ) ، وهناك قطع مشبوب بالشاعرية أنظر قوله :-
( هى بعض العذاب وبعض الأمل.. وأخرى تنتظرنى للاجابة حول الغياب..والآمال سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء).
كل ذلك على حساب القصة ، الحكاية. اللغة ، تجليات ، اشراق ، وحبور كله من أجل نص ناصع شعرياً ، بأصوات وإن جاء ذلك على حساب القصة.
ألم أقل هذه ( قصة خيدع) ، أما حكاية الجنس فهى مطية و خدعة .
أذن هذا كاتب آخر يستدعى البحث عن نص آخر ، فمن العبث أن يبحث القاص محمد عكاشة عن نهاية لقصة ( أمرأة خيدع) ، الحالة الابداعية ، الجمالية ان كانت برهة أو أكثر من ذلك ستظل مغلقة لكنها ستظل قابلة للانفجار ، والانفتاح ، والاشراق. فهى أشبه بعلاقة الذات والمطلق ، علاقة غير موضوعية أو شروط منطقية ، شيئ أشبه بالجذب لذلك قصة ( امراة خيدع ) قصة بلا نهاية ، لأنها قصة بلا بداية ، بلامنطق .
فكيف البحث عن نهاية منطقية لظاهرة غير منطقية أصلا. بفضل ذلك وذنبه فى نفس الوقت صار هذا النص أثراً ابداعيا نادرا ،نوعا آخر .
نوع آخر من الآراء الابداعية يمكن أن نسميه قصة ما بعد الحداثة أو نهاية النماذج
Post modernism and beyond modalities .
انها الكتابة على طرف الأعصاب ، والسير على هامش العدم ،
شيئ به نوع من ( عادل القصاص) ذلك القاص الذى يستطيع أن يكتم انفاسك ، ويقبض بتلابيبك روحك فتظل مشحتفا ، والنص فى خطر وتوتر يقول (طق. .طق. .طق) ، الى آخر رمق ، لكنه مقل.
عادل القصاص قاص مقل جدا لكنه لابد أن يكون مقلا، ولا أدرى اين هو ؟،
لقدت علمت مرة من المرات انه قد ( شتت) صيغة الفعل الماضى من ( شتات) فتعجبت ، قلت ربما خربت الدنيا ، أو ربما ( القاش فارق كسلا ) لأن السودان بحر وعادل سمكته فبأى مكيدة يحيا!! والله كم من مظاليم لكن العين طويله واليد قصيرة ( بعدين الجماعة ديل يا استاذى الموصلى قد تخلو عنى منذ عام 1989م) فأن فاشل سياسياً ، رد الله غربتك فخانتك أصلاً فى وجدان الشعب السودانى شاغرة الى الابد.
أعود مرة أخرى لهذه القصة التى كلفتنى كثيرا وها أنا أعود للسودان بلا استشفاء ، ومتشفياً ، لقد خدعنا القاص، أو بالأحرى قد خدعنا هذا اللغوى المبين..فكيف تتم هذه الانتقالات المفاجأة:- ( ضحكت ثم عدت الى غرفتى وقد انفض السامر.
سافرت كثيراً شرقاً وغربا . .. ونفسى لا تألف مكاناً عداها. خمسة امتار طولاً وعرضاً ومتران ونصف علواً والكتب تتطاول فى المقامات وتكاد تلامس السقف المرفوع).
ليس هناك أى بناء منطقى لغوى موضوعى ، لذلك أعيد القارئيء الكريم الى الحلقلة الأولى من هذه الدراسة التى اشرت فيها اننى لن أبحث مدخل بنيوى، أو أسعى لاصادم النص بنيويا ، وهو ذات الفخ الذى سيقع فيه عدد من النقاد، لأن هذا اثر أقل ما يمكن وصفه به انه ( غير متعادل موضوعيا).
بالطبع لم يعد ذلك عيباً فى عصرنا هذا ، لم تعد السمتريات اصلآ تليدا فى التفكير الانسانى منذ ظهور نسبية انشتاين ، وثورة الكوانتم ، وتكعيبية بيكاسو ، لقد تعجبنا كثيرا فى لوحة آكلى البطاطس ، والكرسى لفانج جوخ. قصة غير متعادلة موضوعياً ، متوترة ، شيئ اشبه بالشعر ، فهى مكهربة قابلة للانفجارات فوق مثلث التابو العربى من الجنس ، الدين الى أخلاق.
انتهى
_____