وقتها تعلمتُ الدرس

أوتاد
أحمد الفكي
كثيراً ما يردد غالبية أهل السودان عبارة الزمن الجميل ، و كذلك ( والله زمان يا سودان ) وهذا نتيجة ما كان تتمتع به أرض الخير سودان العز و الكرامة من كل مقومات الحياة وفي عمودها الفقري الخدمة المدنية في كل مرافقها التي يُزينها الإخلاص و الإنضبابط التام و صحو الضمير فكان السودان بذلك الألق الذي جذب إليه عيون العالم فكانت الريادة و القيادة عنوانه التي خلَّدَ بها سمعته التي بلغت و فاقت الآفاق .
هنا وقفة لنفتح صفحة من صفحات جمال ذلك الزمن الجميل الذي بهر الملكة إليزابيث الثانية ( ألكسندرا ماري) عندما زات السودان في العام ١٩٦٥ حيث مكثت خمسة أيام و عند إنتهاء زيارتها قالت في الوداع مقولتها الشهيرة في حديقة الموردة بأم درمان ، حيث قالت : (يحدث كثيراً، وقد حدث في حالة السودان وبريطانيا، أنه عندما يحترم إثنان شجاعة بعضهما البعض في أوقات الحرب فإن صداقتهما تكون أقوى في أوقات السلم، وقد أظهرت لي هذه الزيارة مدى التعاطف والتفاهم بين بلدينا ) .
في صفحته الثرة في وسيلة التواصل الإجتماعي بالفيسبوك لإبن العم الأستاذ أنور المبارك حامد الحبر الأخ الغير شقيق للفنان الراحل المقيم عبد العزيز المبارك ” طيَّبَ الله ثراه” أرسل لقطة فيديو من فلم سينمائي وثائقي تاريخي بالألوان أنتجته مؤسسة الدولة للسينما مصحوباً بالتعليق الصوتي لزيارة الملكة إليزابيث الثانية للسودان الذي كان في إستقبالها وقتذاك د/ التجاني الماحي رئيس مجلس السيادة كان ذلك في الثامن من فبراير 1965، حيث هبطت طائرة الملكة إليزابيث الثانية في الخرطوم، التي وجدت ترحيباً كبيراً من قبل الحكومة والشعب. وقد تجولت الملكة إليزابيث الثانية في الخرطوم برفقة د / التجاني الماحي رئيس مجلس السيادة لحكومة ثورة اكتوبر 1964، التي لم يمض عليها سوى بضعة أشهر عند زيارة الملكة. ذاك هو كان سوداننا بكل شموخه و كبريائه و بذلك يُحق لأهله ترديد قول : ( و الله زمان يا سودان) .
* من قتها تعلمتُ الدرس :
كي يعود سوداننا كما كان عليه في الزمن الجميل لا بُدَّ من عودة الخدمة المدينة إلى سابق عهدها بعد فترة الإستقلال و حتى عهد الرئيس جعفر نميري بالتحديد تكسوها النزاهة بكل ما في الكلمة من معنى و هنا استميحك عذراً عزيزي القارئ أن أسرد لك ما حكاه لي الأستاذ محمد أحمد التلب في جلسة إجتماعية تناولنا فيها حال الخدمة المدنية في الوضع الحالي و ما وصلت إليه من إنهيار أخلاقي عشعشت فيه الرشوة و المحسوبية و انعدام الضمير فقال لي : ( تخرجت في جامعة الخرطوم كلية التربية قسم رياضيات و فيزياء عام 1976 ومعي من الزملاء أربعة و تم ترشيحنا معلمين تحت التدريب في مدرسة الخرطوم القديمة ،،، ذهبنا إلى المدرسة و الفرح يغمرنا و نكاد نطير من على الأرض … وصلنا باب المدرسة الثامنة صباحاً ووجدنا بجانب الباب ناظر المدرسة الأستاذ حسن عبيد الشايقي المعروف بالإنضباط الشديد أثناء ساعات العمل لا يُجامل أحداً وفي اوقات الفراغ تجده في قمة اللطف و الحنان الأبوي ، فأوقفنا متسائلاً يا أولادي من أنتم و ماذا تريدون ؟ فقلنا له : نحن مدرسون جُدد تحت التمرين أو التدريب تم ترشيحنا من عميد كلية التربية د / مندور المهدي .
فقال لنا ناظر المدرسة حسن عبيد الشايقي الذي وجدناه في باب مدخل المدرسة : ارجعوا من حيث أتيتم و تعالوا غداً الساعة الثامنة إلا ربعاً ، أما الآن الساعة الثامنة صباحاً الطابور إنتهى و الطلاب في الفصول..
قال لي استاذ التلب : بكل غضب و زعل قفلنا راجعين إلى عميد الكلية لنشتكي ناظر المدرسة و قلنا له منعنا من الدخول دون أن نُبين له وقت حضورنا للمدرسة . فرفع عميد الكلية د/ مندور المهدي سماعة التلفون و بكل إحترام تمت محادثة بينه و بين الأستاذ حسن عبيد الشايقي متسائلاً عن سبب منع دخول الأستاذة الكرام ، فقال له الناظر لقد جاءوا الساعة الثامنة صباحاً و آخر وقت مسموح به الثامنة إلا ربعاً .. فقال له د / مندور المهدي لا.. لا لن ياتوك الساعة الثامنة إلا ربعاً بل السابعة و النصف صباحاً و إلا لا يدخلوا سور المدرسة . من وقتها تعلمت الدرس من ذلك الموقف و من ذاك الوقت و أنا أعمل في حقل التعليم طيلة فترة عملي ظللت أصل قبل المواعيد بربع ساعة و لا زلت أطبق هذا القانون في حياتي الشخصية بفضلٍ من الله و كامل التحية لكل من علمني درساً في حياتي .
* آخر الأوتاد :
بعد هذه الحرب التي عاني منها جميع أهل السودان علينا أن نبدأ مرحلة التغيير للأحسن وتعود للخدمة المدينة سيرتها الأولى و يجب تفعيل نزاهة التي يُعمل بها في الشقيقة المملكة العربية السعودية ، وفي ذلك الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها هو أولى بها .
من الحِكم التي كانت تُكتب في اللواري و البصمات ( الوقتُ كالسيف إن لم تقطعه قطعك )
اللهم أنصر جيشنا و أنعم على أهل السودان بالأمن والأمان والاستقرار و السعادة و الرخاء .