شراكة الدم..سيناريو ما قبل… وما بعد (1)

نيران صديقة
الفضل الحاج عبد اللطيف
سيناريو ما قبل… وما بعد
(1) شراكة الدم
قبل سقوط الإنقاذ بأكثر من عام كانت قوات الدعم السريع قد انتشرت في شوارع الخرطوم وأصبحت تشكّل وجوداً ملحوظاً، رغم نشأتها ومهمتها الدارفورية البحتة في حماية الحدود ومحاربة الإتجار بالبشر، بالإضافة إلى دورها في القضاء على الانفلات الأمني، مما دعا إلى التساؤل عن السبب في وجودها في الخرطوم.
ولم يكن الأمر سراً، فقد أراد البشير أن يحولها إلى قوة خاصة لحماية نفسه من أي تقلبات عسكرية أو سياسية من قبل المؤتمر الوطني أو شقه العسكري داخل وخارج المؤسسة العسكرية، بعد أن تقطعت أواصر الثقة بينهما، ولهذا أطلق عليه لقب “حمايتي”. وقد منح ذلك حميدتي نوعاً من الشعور بالسلطة شبه المطلقة التي لا تقيدها إلا أوامر الرئيس (والذي لم يكن يملك سلطة في حزبه ولا جيشه). ولعلنا نذكر تحديه العلني لنائب رئيس الحزب، ثم خطابه الشهير أثناء أزمة السيولة التي سبقت عاصفة ديسمبر، والذي هاجم فيه أداء الحكومة المالي. ولعله أراد أن يعيد سيناريو جنود الانكشارية في الدولة العثمانية.
وفي الجانب الآخر نجد البرهان، وهو رفيق سلاح لحميدتي، وكان لديهما هدف واحد سواء في دارفور أو اليمن. وحتى بعد سقوط البشير ظلا على قلب رجل واحد ضد الثورة ومكوناتها. وحتى وقت قريب كان البرهان يقول أن الدعم السريع قد خرج من رحم الجيش، ولكن يبدو أنه كان ابناً عاقاً فخرج عن طوعه. فما الذي قلبه عليه؟
هنا يأتي دور الكتلة السياسية التي تقف وراء البرهان فقد آثر الاستعانة بالكيزان طوعاً أو كرهاً مما جعله لعبة بيديهم. فكان كلما اتخذ قراراً يصب في صالح الشعب أو الثورة تحت ضغط القوى السياسية أو الدولية أتته الأوامر بنقضه. وكان التراجع عن الاتفاق الإطاري هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
ويبدو أن البرهان قد فاق سلفه في خطيئة الكذب، فأضاف إليها ما تبقى من صفات المنافق فعاهد وغدر ووعد وأخلف وحتى في تحالفاته استطاع أن يبدي أكثر من وجه ويلعب على أكثر من حبلين. فرغم ادعاءاته بمحاربة الحركة الإسلامية إلا أنه كان موالياً لهم يأتمر بأمرهم، وفي نفس الوقت كان يوالي النظام المصري الذي يحارب الجماعات الإسلامية. كما أنه ما عاهد عهداً إلا نقضه ولا وعد وعداً إلا تنصل منه.
وفي سبيل أن يتحقق حلم أبيه أدخل البلاد في كوابيس مظلمة من انعدام الأمن وغياب العدالة بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة. وكان كلما خرج من ورطة وقع في أخرى. وهو كما وصفته الموساد “مطيع ولكنه محدود الذكاء”. ولهذا نراه يتخبط في قراراته، فهو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويتخذ القرار أمام الإعلام ثم يغيره داخل صوالين الكيزان. وربما كان هذا هو السبب الذي جعل بن زايد يستبعده عن مخططاته واختار نائبه لتنفيذها.
وفي الجانب الآخر كان هناك حميدتي صاحب الذكاء الفطري والذي يعرف كيف يصطاد في الماء العكر ومن أين تؤكل الكتف، وكل تلك الحيل التي يجيدها أهل البادية والتي علمتها لهم تجاربهم الحياتية. وحينما طلب منه البشير ألف جندي وعده بخمسة آلاف ثم وجد فرصته لتكوين جيشه الخاص فأمده بمئتي ألف من مقاتليه من عرب الشتات.
وبينما عُرف البرهان بأنه مراوغ ومخادع، عرف حميدتي بأنه (دوغري) وصريح ومباشر، وهي عوامل مساعدة في المعارك. وهو لا يتلقى أوامراً من أحد، ولا حتى الأمارات التي تركت له شئون إدارة المعركة وينتهي دورها بالإمدادات العسكرية واللوجستية، بينما يتلقى البرهان تعليماته من قادة الحركة الاسلامية. ومثل الرجلين كمثل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجل سلم لرجل هل يستويان مثلاً. والفرق بينهما أن البرهان “عبدٌ مملوك لا يقدر على شيء أينما توجهه لا يأت بخير”. وهو بلغة القتال “محرش” والمحرش ما بقاتل، بينما يقاتل حميدتي من أجل قضية حتى لو كانت باطلاً.
فحميدتي لا يريد أن يصبح رئيساً للبلاد لتحقيق حلم أحد ولكن لتحقيق حلمه هو، بمساعدة الامارات وكفيلها اليهودي. لم يكن يريد الوصول للسلطة بتلك البذلة العسكرية ولكن ببذلة كاملة. وكان يريد أن يختاره الشعب عن طريق صناديق الاقتراع ولهذا انحاز لممثلي الشعب من حرية وتغيير أو لجان مقاومة تمهيداً للحصول على دعمهم حين تحين الانتخابات. ولقد وجد منهم تجاوباً خاصة بعد إعلانه أنها حرب ضد الكيزان، وبعد أن كشف البرهان أوراقه علانية. وها هي الحرب قد أتاحت له الفرصة للوصول للسلطة ببذلته العسكرية مما يتيح له العمل بعيداً عن قحت وصداعها والديموقراطية ومستلزماتها.
هذا ما كان من شأن العلاقة الممتدة بين الرجلين التي انتقلت من خانة الصداقة والزمالة إلى العداوة والحرب، فماذا بعد الحرب إلا الدمار؟