العرب..خلي يضربوهم يستاهلو ليهم اسبوع ما جابو لي الحطب

بقلم/عبدالمنعم الكتيابي
( ع قزاز )
العرب اسم يكثر استخدامه في مدن السودان المختلفة وقراه ، ومن ظاهره يبدو أنه يختص بإثنية محددة ولكن هو غير ذلك ، إذ غالب اهل السودان يسمون الرحالة سيما راكبي الإبل منهم بالعرب ، وهم في الغالب لا استقرار لهم في مكان محدد وهم غير البدو بيد أنهم ليسوا برعاة وفي بعض الأماكن يقال لهم ( أشو ) ، يقتربون في سكنهم من القرى الكبيرة فيبنون بيوتا مؤقتة في أطرافها يعتاشون من أعمال هامشية في الأسواق الاسبوعية ..
صنف من هؤلاء كان يرتاد ام درمان من جهتها الغربية يبيعون الألبان ومشتقاتها كالسمن والروب ، ويبيعون الأعشاب الخلويه كالسنمكة والحرجل والنبق ، بجانب الجردقة ، والحطب والثمام ، ويعمل بعضهم في حفر الآبار خاصة المراحيض ولهم خبرة في ذلك ، حتى أنهم ابتدعوا فكرة القياس بطول الرجل لتحديد عمق البئر .. ويقولون ان عمق البير ( اربعين راجل ) مثلا ، ويبرع بعض آخر منهم في شغل ( الزبالة ) قبيل الخريف بقليل ( وهي وضع طبقة من خليط روث البهائم مع تراب أحمر او أبيض يسمى الرقيطا على سطوح المنازل والجدران للحماية من المطر ) كذلك صناعة ( ضرب ) الطوب البلدي من الطين بقوالب خشبية وآخرون يعملون (جلادين) وهي حرفة نسج العناقريب وفتل الحبال وبعضهم يجوبون الفرقان بجمالهم المغبرة أو على حمير هزيلة وبعض آخر ياتي راجلا وتبدو ملامحهم متشابهة بشواربهم (المبرومة ) وعيونهم المحمرة و(عراريقهم ) التي اكتسبت لونا أميل للبني من كثرة ما علق بها من غبار رحلتهم الطويلة التي لا يعلم أحد نقطة بدايتها ، وصياحهم يشق سكون المدينة منذ صباحها الباكر ( صلح العناقريب ) ( حطب للكسير ) ( جيردقه والحرجال ) ، ( ع قزاز ) والنداء الأخير يخص الصبية ( المقرمين ) المعتادين على جمع فارغ الزجاج الذي أريق في جوف سكارى في حفلة عرس (كاربه ) وللزجاج انواع وأسعار يعرفها كل من الصبية والمشترين من العرب المتجولين ..
اصبح هذا الفصيل جزءا من حياة المدينة ، تراهم كل يوم ، يعرضون خدماتهم لدرجة ان لهم (زباين ) معتمدين ، لكن لا أحد يعرف اسم احد منهم ، فهم قليلو الكلام ، لايتدخلون في شئون غيرهم وتغلب الصرامة على ملامحهم ، غير ان فيهم صنف آخر يصنفه الشفوت من اهل ام درمان بانهم ( طيارات ) بمعنى فضوليين ، فهم يقصدون سرادق المآتم اوقات الوجبات ويكونون قد حددوا مكانها مع المسح الصباحي اثناء اعلانهم لخدماتهم ، فلا يغادرون مائدة إلا لمائدة أخرى بعد مغافلة القائمين على خدمة المعزيين ، ومن الطرائف التي في ذلك ان احدهم لم يصادفه ( بيت بكا ) ويبدو أنه اشفق ان يفوته الغداء ، ففي حيرته تلك صادف جماعة في عربه (بوكس) بجلابيبهم البيضاء فأدرك بحسه وجهتهم فأشار إليهم وتوقفت العربة ، وقبل ان يركب سألهم ( ماشين وين ) فاجابوه ( ماشين عزا ) فباغتهم بالسؤال ( الاتغدى ليك منو ؟ ) بدلا عن سؤال ( الاتوفى ليكم منو )
وكان لإحدى حبوباتنا – رحمها الله – تجارة مع هؤلاء العرب ، تشتري منهم الحطب والثمام ( القش اليابس ويستعمل للوقود ) وتوزعه في ربطات صغيرة وتبيعه لنساء الحي ، تصادف ان غاب عنها العرب وانقطعت بضاعتهم عنها اياما وكان ذلك متزامنا مع ضربة اسرائيل عام ١٩٦٧ للعرب فلاحظت اهتمام الناس بما كانت تردده الاذاعة من اخبار ونقاشاتهم فيها فقالت وهي مغتاظة ( خلي يضربوهم ، يستاهلو ليهم اسبوع ما جابو لي الحطب ) ..
حيا الله ذلك الزمان على بساطة أهله ونقاء سريرتهم ، وأعان ام درمان التي ( كبرت بي جهلها وكادت أن تنسى أهلها )
وجاءها الغزاة وعاثوا في شوارعها دمارا وخرابا ..
عبدالمنعم الكتيابي