تقارير وحوارات
أخر الأخبار

الثُوار يُنقذون جورج مشرقي من موت مُحقق

،، جورج مشرقي الذي أنقذه ثوار أكتوبر 1964م من موت محقق ..!!!!؟؟؟؟؟

 

.. كتب هيثم عز الدين :

 

كان مقهى جورج مشرقي الشهير يعج بعدد من الفنانين والمطربين حتى جاء زمن رواد المدرسة الوترية الحديثة التي كانت فاصلا بين غناء الحقيبة والأغنية الحديثة. حيث كان روادها حسن سليمان الهاوي وعبد الحميد يوسف والكاشف وحسن عطية. فقد كان هؤلاء العمالقة يلتقون في المقهى بصورة منتظمة بينما الكاشف كان كثير النوم على طاولات المقهى وقليل العمل في ورشتة المخصصة لعمل النجارة للأثاثات المنزلية. ولما كثرت الديون على الكاشف لعدم قدرته على العمل بسبب السهر المتواصل في بيوت الأفراح والمناسبات اقترح عليه جورج مشرقي أن يأخذ أجراً رمزياً من أصحاب المناسبة نظيراً لإحياء الحفل، فقال الكاشف نحن نعمل في الحفلات مجاناً ولا نستطيع المطالبة بأجور لأنها هواية فقط. وكان ذلك ديدن كل الفنانين في تلك الفترة. فقال جورج بهذه الطريقة لن تستطيع أن تطور فنك وتطور نفسك وستفقد ورشتك وعملك وأنت لديك مستقبل. واقترح جورج أن يقوم هو بدور مدير الأعمال والاتفاق على الحفل إنابة عن الفنان. فوافق الكاشف على ذلك ثم انتظمت أعماله أكثر من ذي قبل حتى راق ذلك النظام لعدد كبير من الفنانين وذهبوا لجورج كي يرتب لهم أعمالهم مثلما يرتبها للكاشف. فساعد جورج في ترتيب أعمال الفنانين وساعد في تحسين دخولهم وعوائدهم المادية.

بعد ذلك أضحى المقهي مكتباً للتعاقد للحفلات ليل نهار وأصبح جورج مشرقي أول مدير أعمال للفنانين بالسودان، ولكن بلا راتب أو حافز. أما عن الشعراء الذين كانوا بمقهى جورج فقد أعطوا المقهى نصيباً من أشعارهم. فقد غنى أحدهم قائلاً: ( قهوة جورج أرحكا نزورا.. فيها المنقة القلبي بدورا .. وفيها الزول السمح الصورة ..وفيها الجلسة المامنظورة .. سرور وكرومة وناس قدورا). ويذكر الرواد أن المقهى كان شاهداً على ميلاد عدد من القصائد الوطنية والعاطفية التي شكلت وجدان المجتمع السوداني. فهنا يصف العم عثمان قربينة الوجهة الجنوبية للمقهى التي التقى فيها عبدالرحمن الريح عندما كان صغيراً بالعملاق كرومة وسلمه قصيدة (مارأيت في الكون ياحبيبي أجمل منك). ووقتها كان في بواكير شبابه. بينما كانت هنالك ترابيز بالمقهى بأسماء أغنيات معينة. مثلاً تربيزة سيد عبد العزيز التي أسميت بتربيزة (قائد الأسطول) التي نظم فيها تلك القصيدة في ساعة متأخرة من الليل ثم غناها فيما بعد المتميز العملاق الحاج محمد أحمد سرور.

في مظاهرات 1964م المناهضة لحكومة الفريق عبود كان وقتها قد امتلأ الشارع على آخره بالمتظاهرين. ولكن وفي حادث مذهل ومفاجئ انهار مقهى جورج مشرقي عن آخره والعم جورج مشرقي بداخله ولكن من عجائب القدرة الإلهية أن تأتي تلك المظاهرة ساعة انهيار المقهى وجورج مشرقي تحت الأنقاض فهب كل المتظاهرين لرفع الأنقاض ولكنهم تفاجأوا بصوت جورج مشرقي وهو يتأوه من تحت الأنقاض فقاموا بإخراجه حياً يرزق. وبدلاً من مواصلة المظاهرة حمل المتظاهرون العم جورج على أعناقهم وطافوا به شوارع سوق البوستة وهم يهتفون بحياته، وذلك بعد أن سرت شائعة بوفاته قبيل ساعات.

بنى جورج فيما بعد المقهى بالمواد الخرسانية المسلحة الحديثة بعد أن كان مبنياً من (الجالوص). يذكر أحد أبناء العم جورج مشرقي أن أحد رواد المقهى في الزمن الجميل كان يأتي إلى المقهى عدة مرات ويدخل المقهى الذي تحول إلى سوبر ماركت حديث فيقوم باستنشاق الهواء داخل تلك الرقعة حتى تسيل دموعه وهو يتذكر الأيام الخوالي بتلك الرقعة الحبيبة إلى قلبه، ولكنه في نهاية الأمر طلب من أبناء جورج مشرقي أن يتركوه يعمل لافتة للمكان بطريقته الخاصة بعد أن وضع على اللافتة صورة جورج مشرقي وكتب عليها عدداً من الأبيات الشعرية منها (ياشمس أمدرمان عودي وأشرقي .. أين سمارك أين المشرقي )، إلى أن يصل البيت القائل (هنا صدح الخليل بعوده والأزهري غدا كمدفع راشقِ). ويذكر عدد من أصدقاء جورج أنه بعد وفاته ظهرت أعداد من الأسر والعوائل الذين كان يتكفلهم جورج مشرقي ويرعاهم سراً بعيداً حتى عن أعين أبنائه. انتقل جورج مشرقي إلى الرفيق الأعلى في صبيحة يوم 21-7- 2007م، بعد أن ترك سيرة عطرة وحياة مليئة بالبذل والعطاء.. وقد شيعه أهالي أمدرمان في موكب مهيب بحضور رجال الفن والثقافة ورموز المجتمع .

 

منقول.. بحب شديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى