البروفسور علي محمدشمو..شكرٌ مُستحق وتحيةً واحتراماً

“يامحمد سلامات..
انا ح أكتب ليك شوية كلام محاولة تقديم لي كتابك اللي عايز تطبعوا..فإذا لقيتو نافع يبقى كويس وإلا فانساهو..
استمتع بالقاهرة ياابني”
ثم… يا لتواضعه الجم يكتب:-
((درج بعض الكتاب الصحفيين من أصحاب الأعمدة الراتبة وغيرهم من الكتاب أصحاب الدراية والاختصاص في علوم القانون والسياسة والاجتماع والاقتصاد على إعادة طباعة السلاسل التي ينشرونها في الصحف في أشكال كتب أو كتيباب بغرض التوثيق في غالب الأحيان أو إتاحة الفرصة لمن لم يقرأ المقال حين النشر الأول في زمان وتاريخ ولى و ارتبط بأحداث ووقائع معينة.
إعادة النشر تفقد المقال الفورية والحداثة .Immediacy And Recencyفالمقال الصحفي في الجريدة اليومية يرتبط عادة بالأحداث التي تنشرها الصحيفة وينال قدراً من التحليل والتعليق المفيد بالنسبة للقارئ المنتظم للصحيفة والذي يسعى للمزيد من المعرفة التي تساعده- في كثير من الأحيان -على إتخاذ المواقف attitudes حيال القضايا التي تشغل الراي العام أو تغيير السلوك change of Behaviour الذي يؤثر علي تعامله مع المجتمع الذي يعيش فيه حين نشر المقال ولكنني و في سياق محاولة متواضعة لتقديم هذا السفر الأنيق للكاتب والصحفي المتميز محمد عكاشه أجدني في موقف يختلف عن المعهودة والمألوفة في تقديم الكتب التقليدية أو تلك التي يشكل مضمونها ومحتواها واقعاً هو في حقيقة الأمر إعادة وتكرار -Stale قديم- وليس طازجاً -fresh جديد- لأن القراء المنتظمين للصحيفة التي يكتب فيها المؤلف محمد عكاشه بشكل راتب ومنتظم سبق أن اطلعوا عليه.
محمد عكاشه من جيل الكتاب الشباب الذين أكن لهم تقديراً وإحتراماً لقدراته المتميزة والتزامه المهني وموضوعيته ورؤيته الثاقبة للأشياء فهو مستقر وثابت Constant فيساريته محببة ومرنة ومنصفة تقدر الاتجاهات الأخرى وتحاورها بأدب جم وتحرص على استيفاء وطرح القضايا من كل الزوايا والأوجه ولعل المقالات الأربعة التي أوردها وأعاد نشرها في هذا الكتاب عن د. حسن عبدالله الترابي تقف شاهداً علي ذلك وتؤكد ما ذهبت إليه وهو في هذا السياق يذكرني ببروفسور عبدلله علي إبراهيم الذي يجنح أحياناً في مثل هذه القضايا نحو التناول الموضوعي الذي قد لا يقره عليه بعض زملائه من المؤسسين من أهل اليسار رغم التزامه بالفكر اليساري المؤسس وهو أمر جد نادر وغير مألوف في ساحات العقائد والفكر والنظريات السياسية التي شغلت الناس في القرن الماضي ثم تلاشت وأفلت ولم يبق منها إلا النذر القليل المحصور في مجتمعات محدودة.ومعذرة لهذا الاستطراد ولمن لا يتفق مع هذا الطرح.
هذا الكتاب يختلف عن مثيلاته من الكتب المعتمدة والقائمة على إعادة المنشور من المقالات في أنه يحتوي على مجموعة من المقالات التي بذل فيها المؤلف جهداً علمياً موثقاً ودقيقاً يشعر فيه القارئ عند وصوله إلي نهاية كل مقالة وكأنه قرأ كتاباً أو ورقة علمية اعتمد فيها المؤلف أو الكاتب علي جملة من المراجع أو علي عصارة جهد مجموعة من الباحثين ملحقة بمكتبه أو إدارته وهي أيضا في تنوعها وتعددها تتناول مواضيع مختلفة تجعل القارئ يتساءل من أين لمحمد عكاشه هذه الحصيلة العظيمة من المعرفة في الأدب والتاريخ والسياسة والتشكيل والموسيقى والدراما وغيرها من أسباب العلم والمعرفة؟
القارئ الحصيف لمقالات محمد عكاشه لن يقوى على المرور عليها دون أن يتوقف ليستوعب ويتأمل ما يرمي إليه المحتوى الذي يدور حول الموضوع أو الفكرة ومن ثم يتخذ موقفاً قد يدفعه إلى المزيد من البحث. ذلك لأن طبيعة الأفكار والمواضيع التي يطرحها الكاتب تتميز بالعمق وتبتعد عن السطحية التي يغادرها القراء سريعاً بالتصفح Scanning الذي لن يستغرق وقتاً طويلاً يدعو للمزيد من التأمل.
يذكرنا محمد عكاشه أحيانآ ببعض المواقف التاريخية التي ترمز إلى تذكيرنا بواقع الحال وكيف تجاهل الآباء المؤسسون للسودان الحديث النصائح والتجارب التي أسداها إليهم من سبقهم من أصحاب التجارب المماثلة فلم يعتبروا ولم يصغوا إلى النصيحة فالخبير العالمي الهندي راو الذي دعته وزارة مالية حكومة السودان استشارته في أمر يتعلق بالسياسات المالية قال للزعيم إسماعيل األزهري رئيس مجلس السيادة عند مقابلته له بعد ثورة أكتوبر واستعادة القوي الوطنية المدنية للحكم (يجب أن تؤكد على ضباط الجيش ضرورة االنصياع إلى الحكم المدني مثلما فعلنا نحن عند الإستقلال بقفل الطريق على المغامرين بإسقاط حكومتك والزج بك في غياهب السجون).
إن قيمة وفحوى المقالات التي يكتبها محمد عكاشه لن تشيخ ولن تبلى..فهي تنطبق على الحاضر وتوثق للواقع الذي سيصبح ماضياً وتاريخاً وفي الوقت نفسه يستمد منها القارئ العظة والعبر فضلاً عن المتعة التي يجدها في الأسلوب الرفيع والتداعي والتنوع والسرد الممتع في بعض المقالات وكأنك تقرأ قصة قصيرة تجد من خلال تصفحها المتعة في اللغة والأسلوب والتداعي ثم النهاية المفيدة أياً كانت.
كلما قرأت لمحمد عكاشه موضوعاً في الصحافة الورقية اليومية في ظل الأزمة الحالية والظروف المحيطة بالسطح الورقي في هذا الكون بالإضافة الي موجات النزوح الي النبض الإلكتروني electronic pulse على شاشات التلفزيون و الوسائط المتحركة mobile media التي عمت وسيطرت على العالم ينتابني شعور بأننا قد نفقد جمهوراً عريضاً من المستهلكين لهذا النوع من الكتاب والكتابة فالصحافة الورقية صديق أليف اعتاد الإنسان متوسط الحال أن يتأبطها ويحملها أينما حل وتوجه حتى يستقر مستلقياً على فراشه آخر المطاف ثم يشرع في قراءتها على مهل بعيدا عن الضجيج والهوس.
أيها القارئ العزيز إن المدونات blogs التي تموج بها شبكات الإنترنت خلقت لتكون مقراً ومأوي لإنتاج المفكرين والمبدعين أمثال محمد عكاشه الذين يحرص الناس على الإطلاع على كتاباتهم ومؤلفاتهم ومخرجاتهم للاستفادة منها في بحوثهم ودراساتهم وزيادة معارفهم أو على الأقل الاستمتاع بمحتواها الأنيق أسلوباً وعرضاً عندما يحسون بالحاجة إلى الركون و الهدوء والسكون من فرط المعاناة وضغوط الحياة المعقدة التي نعاني منها اليوم اتمني لك أيها القارئ الكريم لحظات ممتعة مع هذا الكتاب علك تكتشف فيها مدى صدقيتي فيما أودعته فيه من وجهات نظر متواضعة في محاولة لتقديمه لك.)
علي محمد شمو
بروفسور