
بقلم/محمدعكاشة
” حِينَ أموتُ ستظّلُ دُبلِن مكتوبةٌ في قَلبي”
ثُمّ..
سَألهُ صَحابتُه وهو في مَهجِره القسّري ومتى تعودُ إلى دَبلن؟! أجَابهُم.. ومتى تركتُها حتى أعودَ إليها.
الشاعر الأيرلندي جيمس جُويس ملأَ الدنيا وشَغل الناس.
عاشَ حَياتهُ في صُعوبةٍ بالغةَ ومُعاناةٍ باهَظة فَضلاً عن تَعرّضهِ لعلةٍ في عينهِ أفقدتهُ حاسةَ البَصر وأيضاً إصابتهِ المُزمنة بمرض السَيلان.
بلغَ استياوُءه من عَدمِ قُدرتهِ علي كَسبِ العَيش في بلده درجةً وصَف به دُبلن بمدينةِ “الفَشل والحقدِ والتعاسَة” بل تمادي يَصفُها بالخنزيرِ العجُوز التي تلَتهمُ أبناءَها.
كانَ جيمس جُويس يقَطعُ المسافات الطويلة مَشيّاً على الأقدام بُغيةِ لُقمة العيش فهو يقَطعُ طَريقا وَعِراً ليَبلُغَ منزلَ ربّان سفينةٍ يقومُ بتدريس ابنته مُقابلَ بضعةَ شِلنات معدودةٍ ثُمَ ليُسمعَ الربّان كلمتهُ ذاتَ يومٍ بأنهُ سوف يكُتبُ روايةً مُعقدةً تحتفظُ بنسخةٍ منّها مكتباتُ العالمِ كُلهِ.
جُويس برغمَ المُعاناةِ والحظّ العاثَر يلتحقُ بجامعةِ دُبلن ويُقررُ أن يكونَ اديباً وبعدها يغادر مدينَته إلى باريس ليَكتُب رُوايته “يوليسس” التي أثارت الُدنيا لأكثر من مَائة عام ولاتزالُ عَبقريةٌ تَدورُ أحداثها في يوم واحدالسادس عشر من يونيو/حزيران 1904م وقد الهمَته “نورا” المُحبةُ بلا امتَنان ومُقترحُ زوجته في المستقبل حينَ يطلب منها بالخُروجِ معه لأولَ مرةٍ ليخَلق من التفاصيل اليومية صُوراً مَلحميةً في أعمالهِ وليَلقي من بعضِ الصِحاب العونَ لاستكمال مسَيرتهِ.
إعجابي بالكاتب جيمس جُويس وحياتُه ونُقاده يَزحمُني ويَشغلُ أوقاتي وقراءاتي وأم درمانُ كذَلك غيَرَ أن صَديقي الكَاتبُ الشاعرُ عبدالمنعم الكتيابي يَفتديني يسَتلفتني هذا الصَباح مطّلعَ العام الجَديد وأنا ابَثّهُ قَلقي وضِيقي ليُطمأنُني يَحضُني بالآية الكريمةُ:-
( قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )
ثُمّ هو أيضا يُذكُرني صاحبي الأيرلندي وينتقرُني بعبارةٍ بديعةٍ مُلهمةَ :-
( الهجرةُ لأمثالكَ لابُدّ منها ياصديقي..لانّ الوطنَ الحَقيقي للانسانِ هُو عُمره).
إذنْ لابدَ من “نورا” ولا بُدَ من وطنٍ حقيقي وعُمرٍ جَديد.