ثقافة وفنون
أخر الأخبار

نائلة فزع..أدخل صومعتي وأعلن الصمت في محاولة للحب والأمان بدونك

أخرج من الزمان حتى لا ألتقيك عبره.أرحل من المكان، حتى لا تجد لي عنوانًا، وأدخل صومعتي وأعلن الصمت في محاولة للحب والأمان بدونك. خرجت من ذاتي الواعية ، ودخلت في حلم حددتْ تفاصيله، وأماطل نفسي بجعل الواقع يدور في مجالي النفسي لكي أتخيله حلمًا على مزاجي. هل هو خداع أم محاولة لإيجاد مداخل ومخارج بدون حرج. أمارس جنوني على أنغام عشقناها وأصدق الأكذوبة بأن حلمي بك يمتد ويتجدد عبر مساحات الإبداع داخل مرابع الوطن.

اختفى القمر خلف الغيوم كما اختفت الحقيقة بعد أن ألبستها ثوب شفاف. خلتك تمارس هوايتك في الرسم ولا تنظر لامرأة تعمدت أن تلفت انتباهك لها وهي مجردة إلا من غلة خفيفة، إذن هي كاسية عارية. تجاهلتها وحولتْ نظرك نحو شابة في كامل هندامها، أنتم كذلك تبحثون عما هو مغلف وعصي المنال.

قلت لي يومًا:- أراك من خلال حركة فرشاتي، تتحركين في كل الاتجاهات. أحسك في تجميع أفكاري التي تومض وتنطفئ. لقد تعشمت أن أكون الرجل ذو الحظوة بلفت انتباهك فقط. سوف أمارس البراءة والخوف… سوف أدعي أني مصاب بعمًى حتى لا أفضح حالة الاشتهاء التي جعلتك تمارسين الازدواجية في التعبير. على أن أسمع رجع الصدى، وأتجاوب مع خطوط فرشاتي، وعليك في نفس اللحظة متابعة الكتابة مع سماع لحننا الأثير. سوف تُخلدين بين سطورك عشقًا أبديًا. كم يرهقني مسح العرق الطافح وكأنه حبات مطر أو نزف عبقري. ليت أناملك التي سوف تمنح الشقاء لحروف كان إلهامها من أعصابي قد مسحته. كل هذا يعني أنك ذات إحساس طري، تحركه ذرات الهواء الناعمة كما يحركه الإيقاع. لون، موسيقى، يراع، فرشاة، كل هذا العالم الإبداعي يوحي لنا بأن الجسد مباح ومهتاج.

 

قد طفح الكيل وكل خلية ترقص وتهتز… كل شُعيرة فيك تترنح وترتجف. كنت أتأملك خلسة وسط الجمع، وأحس بأنك ملأى بي، وليست هذه المرة الأولى التي أرقُب فيها تعطشك وأتساءل هل تنوين تفريغ إفراغ هذه الشحنات أم ستسكبينها حنينًا وآلامًا على الورق – مقبرة الأسرار- كما يحلو لك أن تسميه. أنت تملكين تحويل طاقة الجسد إلى تعبير يتجاوز رغباتك، وعندها تدركين بأنك حية تجاه كل الأحاسيس والآلام.

أشاح بوجهه ومسح حبات العرق الطافح ومعه دمعة ترثي لحالنا. ليتني أستطيع الهرب إلى عالم نستبيح فيه كل المحظورات دون ممارستها في زاوية مظلمة تحملنا إليها إيحاءات وكل منا مسكون، منجذب تجاه الآخر. هبّْ أنَّا دخلنا ذلك الركن المظلم وأضاءت أشواقنا الطريق، لفتنا العتمة والليل البهيم، وفجأة أتى النهار بنوره… ارتعدت أجسادنا خوفًا من طريق العودة، لم نملك شجاعة الخروج مثل ما كانت تملأنا الرغبة عند الدخول.

رميتُ القلم الذي ما زلت ممسكة به، ورميت أنت الفرشاة، وصرنا نتمايل على وقع نغمٍ داخلي. كانت خطواتك راقصة مدوزنة. وظللت أرقبك وأنت تسرع الخطى تجاهي… تسمرتُ وفغرتُ فاهي… حاولت هي اعتراض طريقك ولكنك تجاهلتها!! سلبت ذراعيَّ، وبعد هنيهة انتزعت قدميَّ… اهتز الوسط… خلعت أطرافك والتحمت أجسادنا. عدونا بدون أذرع وسيقان ولفتنا العتمة من جديد.

أحكمتُ قبضتي عليك، كانت رغباتنا ومخاوفنا هي التي ترقص وتهتز، تنهداتنا تعلو وتهبط. لا أدري كم احتوينا بعضنا في عناق محموم دونما أذرع وسوق. عانقت فيك الإلفة والسماح، الضوء والنهار، الريشة والقلم…الأمنيات والأمل، كنت ماهراً أكثر مني وجعلتني أتصالح مع لغة الجسد عندما تقترن بالروح.

كانت دقات الساعة نغمة للحننا الأثير. تنبهت إلى أن أحدهم قد أخذ الوتر وعزف لًحنًا لكي تعود… بدأتَ تتراجعُ إلى الخلف بعدما أنطفأ الهيجان. بدأت دقاتْ قلبي تتزايد، طفح العرق على جبيني… تصاعدت انفاسي… تحسست ذراعيّ فوجدتهما ممدوتين نحوك… حركت ساقايّ وهممت باللحاق بك.

انبثقّ ضوء النهار، التقت النظرات مع الكلمات… سمعتها تبثك حبها وتمارس معك طقوس الاشتهاء بجرأة محترفة قديرة. تناهت إلى سمعي تأوهاتك واستسلامك لها، كأنك لم تكن معي. تعالت صرخة موجوعة من داخل القفص الصدري وكل الجسد يرتعش. حبات العرق الطافح أيقظتني… كان حلماً فنياً مدوزناً. لاهثاً هارباً من جرم اللحظة إلى استمرار رغبة لا تنتهي في زاوية مظلمة.

وجدت نفسي أسمعك وحملتُ قلمي. كنت أرسم خارطة للوطن على أنغام وحدت وجداننا، وعلى الضفاف، كم سامرنا الضفادع وتلوث ثيابنا بالطحالب وكم لاعبنا الأسماك بود وحنو. تلاقحت الأفكار وتزاوجت مع الكلمات في انسيابية مع الموج المحتد حيناً والمتصارع أحياناً في جوف نيلك يا وطن. وكنت تخترق معي أزقة الذاكرة ونلون أرجاء الوطن بدمائنا ونخلدها أنغامًا وحروفًا من القلب والروح، مجراها عشقي النيل.

***** ***** *****

نائلة فزع

الإمارات العربية المتحدة

*****

نُشر في العدد الأول من مجلة(أيام وليالي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى