السَادة الصُوفيّة عَايشين معَ الثُوار

بقلم/محمدعكاشة
حِينَ كانَ عُلماءُ (السُلطان) أمثالُ عَبد الحَي يُوسف وأضَرابهُ يَزدحمُونَ عندَ مائدةِ الرئيس البشَير في (العشاء) الأخَير يَستصَدرون الفُتيا لقمعِ الشعبِ عندَ انطلاقةِ تظاهرُات ديسمبر كان في الضَفة الأخري جهةَ طيّبة الشيخ عبد الباقي وقد أدلجَ غَسقَ الليلِ سيٍدنا عاصمْ الطيب قرشي الموسيقارُ العبقّري والصوفيُّ (ذو المواهب ) يقومُ وبعضُ ( الصالحين ) بتلاوةِ القرٱن حقّ تلاوته نُصرةً للشهداء الذين قضوا في الإحتجاجات.
عندَ اعتصامِ القيادة العامة شهدَ العالمُ منظراً بديعاً مُبهراً و ( قوافلُ ) الصُوفيّين يتقدمُها (الشيخان) أحمد الصائم ديمة ومُحمد حسن قريب الله وهم يعّطرون الساحة بحِلقْ الذّكر والدعاء المُستجاب والأماديحَ النبوية يُعلنون موقفاً سَاطعاً يستبقونَ إليه انحيازاً للشارع السوداني العريض.
الشيخّ عبدالله أزرق طيبة العركي هو من أوائل الصَادحين بشعار (تسقُط بس) وهو وكثيرٌ من أهل التصّوف في السُودان يقتربونَ من أهلهم بمُناهضة الظلم ومُناجزةِ الظالمين.
التصوفُ مُنذُّ ابراهيم بن أدهم البلَخي كان حركةً اجتماعية تتوجهُ للناس وتنحازُ الي قضاياهم ولقد كان ابراهيم بن أدهم أحدُ الذين ناهضوا عَسف البيزنطيين في بلاد الشام دفاعاً عن حقِ الناس في عيشٍ كريم ولو تكلفَ ذاكَ حياتهُ ومثِلهُ الحُسين بن منصور الحلاج الذي انخرطَ في تنظيمِ مُعارضةٍ في بغداد ضدَ الوزير حامد بن العباس لما فَعله في أسواقِ بغداد من سوءِ إدارةٍ قادت إلي موجةِ غلاءٍ سَاغب وشُح في الموارد وأقواتَ الناس مما حدا بالسُلطة السياسية لملاحقته والتربص به وتلفيقُ الإتهام له بالمُروق من الدين بابتسارِ مقالاته وشطحاته ومُحاكمته وقتله علي فكرٍ تَعامي قُضاتهُ عن مُراجعةِ حَقائقه ودعاواه بل وقامَ حامدُ بن العباس بمُلاحقة تلاميذ الحلاج ومنهم القطُب البغدادي ابن عطاء الذي ناهضَ الحاكمَ لأخذهِ أموالَ الناس بالباطل وظَلمهم وقتلهم بغيرِ حق ليأمُرَنّ بضربِ شِدقيه حتي سالَ الدمُ من مَنخريه لتصعُدَ روحُه وهو يدعو الله علي الوزير حامد:-
اللهم اقتلهُ واقطع يديّه ورجليه. ولم يمَضِ وقتٌ طويلٌ حتي تم قتله شرَ قِتلة وقُطعت يداهُ ورجلاهُ وأحُرقت داره.
السادةُ الصُوفيه في السودان لم يكونوا بمعزلٍ يوماً عن حاجةِ الناس وقضايا مُجتمعهم بل و لقد تعَرض بعضهم الي مُضايقات عدة من الحكومات والأجهزة الامنية وعلي الرغم من استغلالِ (الإنقاذ) لبعضٍ منهم في حملاتِ البشير وجولاته بالولايات في المُناسبات المختلفة الا أنَ الراسَخين من أولوا العلمِ منهم لم يسَتجيبوا لمحاولات السماسرة يُضلونهم عن الطَريق.
سَيدي الشيخُ الياقوت الشيخ مُحمد مالك أحدُ الذين كانت مواقفهُ منُحازةً علي الدوام للناس فمسيّدهُ تأسس علي تقوي من الله ورباطٍ لأجلِ الحقْ ولذا فإن ما تداوله الناسُ بموقفهِ قبل سنواتٍ من قضيةِ أبناء دارفور واستضافتهم عندهُ والتي قَضت مَضجعَ الأجهزةِ الأمنية حينذاك وهو لم يُعرهم إلتفاتةً واحدة فليسَ مِثلهُ من يخَذلُ ضيفهِ ممن استجارَ به ونزلَ في حِماه.
السادةُ الصوفية يقومونَ بدورهم في الحياةِ الاجتماعية و السياسية دونَ استظهارٍ وبلا امتنان وهم يسعُون الناس بأخلاقهم وصلاحهِم ونورُ الله يسَعي بين أيديهم .
المَجمع الصوفي العام الذي يتولي عملهُ شبابٌ مُتوثبٌ من النابهين تنتظرهُ مهامَ جِسام بعد ثورة ديسمبر/ أبريل بالعمل علي تحسينِ الصورةِ المطمُوسة بفعلِ علماء السلطان الداعُونَ للفتنةِ ولإثارةِ النعراتِ الدينية الطائفية المقَيتةُ في وطنٍ كان التسامحُ والتعايشُ بين كياناتِ شعبهِ من أعزّ خَصائص وحدته وتنوعه وتساكنُه المُثمرُ في إطلاق.
صحيفة صوت الأمة-
الخميس14نوفمبر2019