مقالات
أخر الأخبار

انتفاضة 1985 .. هكذا بدأت ،،، وهكذا انتصرت

انتفاضة 1985 .. هكذا بدأت ،،، وهكذا انتصرت

الحلقة العاشرة

الصادق المهدي ورحلة غامضة مع نظام نميري

بقلم/ بابكر عثمان

عندما استولى عسكريون على السلطة في 25 مايو 1969 بقيادة العقيد جعفر محمد نميري كان الصادق المهدي خارج السلطة بعد اطاحته من رئاسة الوزراء في مايو 1967 ولكنه كان علي وفاق مع عمه السيد الهادي المهدي إمام الأنصار بعد نزاعات مريرة خلال السنوات الخمس السابقة على ذلك الانقلاب، فقد احدث الصادق المهدي انشقاقا في حزب الامة عام 1966 عندما اصبح رئيسا للوزراء في ذلك العام ولكن بعد نحو تسعة اشهر انهارت حكومته بإجماع نواب البرلمان.

انقلاب النميري جاء بدعم كامل من الحزب الشيوعي السوداني وبتأييد من مصر ( عبدالناصر ) وبحماس من الاتحاد السوفييتي وكان من أولى قرارات الإنقلابيين الاعتراف بألمانيا الشرقية و قد رفض الامام الهادي الاعتراف بالانقلاب وتحصن في الجزيرة أبا و لحقه عدد من السياسيين منهم الشريف حسين الهندي والذي واصل رحلته بعدها الى اثيوبيا ، كما انضم اليه عدد من الاخوان المسلمين منهم محمد صالح عمر ( وزير سابق بعد ثورة أكتوبر ) أما الصادق المهدي فقد التقى برئيس الانقلاب العقيد جعفر نميري بعد نحو سبعة أيام من الانقلاب ، ويبدو ان المهدي وبحكم علاقات نميري السابقة بالأنصار ( تربى في ودنوباوي و توسط له الامام الصديق عبدالرحمن المهدي لإعادته الى الجيش بعد فصله عام 1962 رأى ان النميري ربما يستمع اليه وهو يتحدث عن فصل الانقلاب عن الشيوعيين وعن اصلاح الممارسة الحزبية ، ويبدو ان المهدي كان مخطئ تماما في تقديراته – وتلك صفة رافقته طيلة حياته السياسية- فقد وعده نميري بمقابلته مرة أخرى عقب ان يتشاور مع زملائه في مجلس قيادة الثورة وعندما جاء اليوم الموعود للمقابلة في يوم 9 يونيو 69 أي بعد نحو أسبوعين من الانقلاب وجد المهدي نفسه حبيسا في احدى غرف القيادة العامة للقوات المسلحة ، ليقضي بعدها نحو عام كامل وهو يتنقل بين سجون – جبيت – بورتسودان وشندي ، وخلال تلك الفترة قضى نميري على مقاومة الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي وقتل الامام الهادي المهدي ومحمد صالح عمر وعددا لا يقل عن ثلاثة الاف من اتباعه في مارس 70

كان المهدي يعتقد دوما أن الحوار السياسي هو الحل الأمثل لمشاكل السودان و لم يرضخ لمنطق القوة إلا في عام 76 عندما كان في لندن رئيسا للجبهة الوطنية والتي اقتحمت الخرطوم بقوات تم تدريبها في ليبيا واثيوبيا وهي مكونة من ثلاث فصائل معارضة (الأنصار – الاتحاديين – الاخوان المسلمين) فيما سمي بقوات المرتزقة والتي فشلت تماما في اسقاط النظام

ولكن المهدي وبعد اقل من عام تلقف دعوة أطلقها النميري لإجراء مصالحة وطنية والتقى الرجلان في بورتسودان في 7 يوليو 77، يقول المهدي في هذا الصدد انه أراد من المصالحة التخفيف عن الأنصار وإطلاق سراح المعتقلين منهم وإعادة رسم المقاومة ضد نميري من جديد فيما يقول الشريف حسين الهندي والذي رفض التصالح مع النظام تماما إن المهدي ذهب الى تلك المصالحة دون شروط من جانبه وأن هدفه الأول هو استعادة أملاك العائلة والتي صادرها النظام مثل دائرة المهدي في وسط الخرطوم ومحالج القطن في مارنجان.

المصالحة الوطنية

تمت المصالحة والتي سميت بالوطنية وضمت الأنصار والاخوان المسلمين ورفض الاتحاديون الانضمام اليها، وعندما نقول (الاتحاديون) فنحن لا نشمل بذلك طائفة الختمية بقيادة محمد عثمان الميرغني ، فهذه الطائفة لم تدخل في أي مواجهة مع النظام ، بل كان الميرغني على توافق تام مع نظام النميري.

يبدو أن المهدي وللاعتبارات السابق ذكرها قرر التصالح مع النظام فانهارت ( الجبهة الوطنية ) ورغم أن الضغط الأمني خف عن الأنصار كثيرا وتم اخراج المعتقلين منهم من سجون النظام وتمت استعادة أملاك طائفة الأنصار و انخرط بعض أعضاء الطائفة في هياكل النظام ( الاتحاد الاشتراكي – مجلس الشعب ) واصبح بعضهم وزراء وكان الصادق المهدي يردد ان نميري انصلح حاله سياسيا و دينيا غير أن الأهداف السياسية لم تتحقق تماما، فالمهدي الطامع في ان يصبح رئيسا للوزراء ظل مجرد عضو في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وشعر أن النظام استفاد من هذه المصالحة أكثر مما استفادت منها أحزاب المعارضة المتصالحة وقبل أن يكمل عامه الثاني في المصالحة قرر أن يقدم باستقالته من الاتحاد الاشتراكي ، حدث ذلك في سبتمبر 79 ، ففي ذلك العام تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، تلك الاتفاقية التي عارضت توقيعها كل الدول العربية ما عدا السودان والصومال وجيبوتي وقاطعت الدول العربية مصر ما عدا تلك الدول الثلاث وبينها السودان و ذهب نميري في ذلك العام الى نيويورك والقى خطاب السودان في الدورة الرابعة والثلاثين للأمم المتحدة ، وحسب الصادق المهدي فقد تم الاتفاق على عدم التأييد العلني لاتفاقية كامب ديفيد وتم مراجعة خطاب الرئيس ولكن الرئيس نميري خرج عن النص المكتوب وأعلن تأييد السودان لاتفاقية المصالحة المصرية الإسرائيلية و قبل ان يهبط عن المنصة كتب المهدي استقالته عن عضويته في الاتحاد الاشتراكي.

سنوات سجن المهدي

قضى الصادق المهدي السنوات اللاحقة حتى سقوط النظام وهو من أشد معارضي سياسات الرئيس نميري ولكنه قضى منها نحو ثمانية عشر شهرا في سجن كوبر ، ففي يونيو من عام 83 اعلن نميري عن ثورته التشريعية والتي انتهت باعتماد قوانين ( الحدود الإسلامية ) في 8 سبتمبر 83 والتي سميت بقوانين سبتمبر ، انتقد المهدي في خطب الجمعة تلك القوانين وقال إنها لا تمت الى الإسلام بصلة ثم بدأ ينتقد ممارسات التطبيق ، فضاق النظام به زرعا ، فاعتقله في ديسمبر من ذلك العام مع نحو ثمانية عشرا من اتباعه ليطلق سراحه في 25فبراير 85 ، ويعتقد المهدي أن اطلاق سراحه في تلك الأجواء التي أعقبت اعدام محمود محمد طه ( 18 يناير 85 ) كان الهدف منه ان يتورط أيضا في انتقاد علني لسياسات النظام مما يبرر محاكمته واعدامه ، وادعى أن النظام طلب اليه وهو في السجن ان يكتب رأيه في تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية ولكنه رفض ذلك ، ايقانا منه أن تلك الأوراق المكتوبة ستؤخذ ذريعة لمحاكمته واعدامه.

 

خرج المهدي من المعتقل في منتصف فبراير والتقي بعدها بالدكتور حسن الترابي بموجب موعد مسبق ، جاءه الترابي الى منزله وهو متهلل الوجه وقال له إنه التقى بالرئيس نميري قبل أيام لتسليمه تقريرا وان النميري قابله بوجه طلق على غير العادة وأعتقد الترابي للوهلة الأولى أن هناك فرصة لإعادة الأمور الى نصابها بين اطراف المصالحة الوطنية، ولكن الصادق المهدي حسب قوله رفض هذا الاعتقاد وهذه الدعوة) و توقف الحوار عند هذه النقطة ليتواصل بعد عودة الترابي من زيارة مقررة الى امارة ابوظبي ( جامعة العين ) ولكن عندما عاد الترابي من تلك الرحلة التي لم تستغرق سوى أيام معدودة كان النظام قد قلب ظهر المجن على الاخوان المسلمين ليعتقل الترابي فور عودته من ابوظبي في 10 مارس 85

اذن صمد المهدي في معارضته للنميري الى اخر العهد ليتفاجأ بأن النظام على وشك الانهيار عندما اطل شهر ابريل برأسه.

كانت الشوارع تعج بالمتظاهرين والنقابات المهنية تستعد للانقضاض على النظام ونائب الرئيس عمر محمد الطيب حار به الدليل والرئيس نميري في الولايات المتحدة مستشفيا وغائب عن الوعي السياسي والأمني مما يجري في الخرطوم ، صعد الصادق المهدي الى منبر مسجد الأنصار بودنوباوي وايد الانتفاضة ثم اختفى عن الأنظار ، ليظهر مجددا في صلاة الجمعة في الخامس من ابريل ليطلب الى القوات المسلحة ان تحمي المتظاهرين ليختفي مجددا

 

في الحلقة القادمة سنلقي الضؤ علي جريمة اعدام محمود محمد طه في 18 يناير 85 وهل كان لذلك تأثير على مشاعر الناس وهي تغلي من ممارسات النظام ومن استعار المواد التموينية وندرتها

تابعوني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى