ثقافة وفنون

شيخنا الصلحي..شجرة الحرازة

 

بقلم/محمدعكاشة

 

حي العباسية الأمدرمانيٌ العريق حيٌ مستبدعٌ غريبٌ بين أحياء (البقعة) قولاً واحداً.
أقوامُه مبدعون جداً.. مختلفون ومقبلون علي الحياة إقبالاً يستمد من الذات السودانية العميقة الثرة.
ولدت وترعرعتُ بخلوة جدي الشيخ محمدزين الفكي إبراهيم الفضلالابي وتساوكت قدماي طفلاً وصبياً في أزقة (العباسية ) مشبوباً بالحياة طماحاً بها.
تشحذ ذاكرتي علي الدوام حكايات جدتي (اليٓسُر) بت حاج علي التي تربيت بحجرها لتتفتق مُخيلتي بحالة الحراك الإجتماعي والثقافي والديني والرياضي وأقدار الوعي المبكر لساكنيها.
دكان عم سبت الترزي بناصية خلوة جدي كان منتديً ثقافياً راتباً من بعدصلاة العشاء والأوراد.
عم سبت كان رجلاً (دهرياً) يتلو أوراده ويستظهر تاريخ السودان وثقافات أهله وتعدد إثنياتهم ولغاتهم ومعتقداتهم.
هويحكي بصورة محببه عن حي (العباسيه) وشخوصه وفنانيه وشعراءه ودروايشه ومبدعيه.. ثم هو يحدثني عن خلآوي العباسية وأن خلوة جدي الشيخ الزين و(ديوانه ) الذي كان مستضافاً لشخصيات برزت في الحياة العامة من أبناء (المشائخ) الذين يفدون من الأقاليم لتلقي التعليم الجامعي.
ثم ..هو يحدثني عن خلوة (قدح الدم) وخلوة (مرفعين الفقراء) وعن خلوة سيّدنا شيخ الصلحي و هنا يقرن حديثه بإعجاب شديد عن إبنه إبراهيم الذي صار ملٔ السمع والبصر..
إبراهيم ذاته إذ يسلك طريق الرسم يُجيب في حواراته بأن (الخلوة) وهو طفل كانت مفتاحه للرسم من خلال الشرافات والدواية وتشكيلات الألواح.
تمضي السنوات لأغادر مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع والدي رحمه الله في إنتدابه إلى دولة قطر ليملوؤني الفخر وسط زملائي العرب في مدرسة قطر الإعدادية بالدوحة وسيرة الرجل وأعماله وحضوره تسبقني إلى هنالك ليحدثني والدي عنه مساءً كونه فخرا للسودانيين بالخارج إذ هو يعمل حينذاك خبيرا إستشاريا بوزارة الإعلام القطرية ومايزال عطره يعبق في المكان وميسمه.
قرأت من بعد قراءةً مُعمقةً الفنان العالمي الصلحي وتجربته وأدواره ومساهماته الفكرية والفلسفية كمثقف عضوي لاينفصل عن مجتمعه ولاتنفصم عُري إبداعه ومشروعه الفكري عن تراثه وأصوله.
الفنان السوداني إبراهيم الصلحي رغماً عن إغترابه الطويل لا ينقطع عن أمدرمان يزورها كل عام حين تُشرقُ أنوار الإحتفال بمولد سيٌدي الحبيب المصطفي بحوش الخليفه عند إيقاد فوانيسو الضوايّه.
زرته ضُحى اليوم ببيته الجديد جهة مساكن أخواله والحوش الفسيح الذي إنتقل إليه قُبالة البحر عند (المنارة) وهو يرقب شجرة (الحرازة) التي ﺍﺗﺨﺬﻫﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻷﻋﻤﺎﻟﻪ وهو ﻳﻘﻮﻝ:- (ﺃﻧﺎ أﻫﺘﻢ ﻛﺜﻴﺮاً ﺑﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺤﺮﺍﺯﺓ ﻭﻟﺬﺍ إﺗﺨﺬﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﺭﻣﺰﺍً ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﺍﻟﺮﻋﻮﻱ ﺍﻷﻏﺒﺶ ﻋﻔﻴﻒ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺎﺻﺪ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮ ﺍﻟﻘﻨﻮﻉ).

شيخنا الصلحي ..تحيةً واحتراماً
_________________
أم درمان_ المنارة
9 مايو2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى