سياحة في تائية أبي آمنة حامد

أوتاد
أحمد الفكي
لا يختلف آثنان في العبقرية الشعرية التي يتمتع بها الأديب الشاعر الراحل المقيم على حامد علي أيلا آدم المعروف لعامة الشعب السوداني بأبي آمنة حامد فقد كتب الكثير من الأغنيات التي وجدت مكانها في قلب المستمع السوداني .
تائية أبو آمنة حامد التي تغنَْى بها الفنان الراحل المقيم صلاح بن البادية التي حملت اسم ( وشوشني العبير) نجدها تُزاحم لامية إمرؤ القيس و نونية إبن زيدون و كثير من عيون الشعر العربي الرصين في العمق اللغوي و الجرس الموسيقى الذي يشد قارئ و مستمع القصيدة سيَّما الاستماع لها مُغنَّى بصَوت ملحنها الفنان صلاح بن البادية و من هنا نخطو في سياحة وشوشتي العبير و نطرق ونقرع مدخل القصيدة :
وشوشني العبير وانتشيت
راقني الهوي فما أبيت .
أبو آمنة حامد جعل العطر الفواح الذي ترتاح له النفس في شكل شخص خاطبه همساً بصوتٍ غير مسموع لمن هو بجانبه فقال وشوشني العبير الذي يعني الزعفران و أخلاط طيب جميل الرائحة و إن شئت فقل ( عطر و شذى و أريج) وقتها عمت السعادة شخصه فكانت النشوة وهي قمة السعادة وهي حالة نفسية شخصية من الابتهاج العامر فأعجبه الهوى و لم يرفض .
ذكر الشاعر أَبو ذؤيب العبير وهو الزعفران و لونه الأحمر فقال : وسِرْب تَطَلَّى بالعَبير كأَنَّه
دِماءُ ظباء بالنحور ذبيح .
يد الحرير ارتعشت
في كفي بكيت بكيت
من رعشتها بكيت .
الحرير معروف بالنعومة فيدها حرير ناعم الملمس فكانت الرعشة وهي حالة فسيولوجية فحدث اهتزاز لجزء معين بجسمه ( مثل الكهرباء الساكنة عندما يلمسها الإنسان) ، فكان نصيب الشاعر أن لامس كفه كف من صافحه فوجد النعومة التي هي بمنزلة الحرير و لذلك السبب سرت الرعشة المتبادلة بين الطرفين مما أدَّى للبكاء و البكاء يكون فرحاً و حزناً و لكن في القصيدة دون شك فرحاً و بكاء الشاعر كاد يطير فرحا .
صبية العطر يشتهيها
أمذنبٌ اذا انا اشتهيت
سافرت في عيونها دهوراً
فما ارتوت عيناي ما ارتويت
الصبية لم تسعى و تجري و لم تبذل الجهد نحو العطر بل العبير هو الذي يجري نحوها بشهوة عارمة و يبقى السؤال هنا إذا كان العطر و ما ادراك ما العطر يشتهي تلك الصبية هل أكون أنا صاحب ذنب إذا اشتهيت الصبية التي سرقت لب العطر، علماً أنني قد أبحرت في عيون الصبية أزماناً عديدة و ظللت أشرب و أنهل من مائها و رغم ذلك لم أستطع أن أروي ظمائي .
جدائل الليل علي كتفيها
تهدلت حولي فما اهتديت
يصف الشاعر الضفائر الطويلة الكالحة السواد للصبية إرتخت على كتفيها كأنَّها ليل مظلم ضل فيه الطريق و لم يهتدي وهو شبيه بما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة جارة الوادي حيث قال :
ودخلت في ليلين فرعك و الدجى
ولثمت كالصبح المنور فاك
ووجدت في كنه الجوانح نشوة
من طيب فيك ومن سلاف لماك .
حبيبتي اغرودة العذارى
ورنة الأفراح إذا غنيت .
أفصح الشاعر أنَّ الصبية هي حبيبته و هي أنشودة و غنوة العذارى و صَوت الأفراح .
حبيبتي انيقة العطايا
تهمي هوىً إذا أنا هميت
أبو آمنة حامد يرى في محبوبته أنها غيث نافع تسيل هوىً آذ هو همى َ، و قريب لذلك القول ما قاله لسان الدين الخطيب في هذا البيت :
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس .
أما باقي الأبيات من جزالتها و رقتها و روعتها و سهولة فهمها و حلو جرسها الموسيقى نجدها تشرح نفسها بنفسها :
اجمل منها ما احتوى فؤادي
فالعبق الصادح ما احتويت
لا تسألوني لا كيف كان الملتقي
وكيف في دروبها مشيت مشيت
وكيف طاف الثغر بابتهال
وكيف في محرابها صليت
سر عميق حبها بقلبي
ماقلته للناس ما حكيت
فان روي القيثار سر حبي
قولوا له ما قلت ما رويت
لكنه حين بكي حنيناً
بكيت من رقته بكيت
* آخر الأوتاد :
رحم الله أبو آمنة حامد و طيَّبَ ثراه له من الروائع :
سأل من شعرها الذهب
فتدلى و ما انسكب
وكذلك : بنحب من بلدنا ما بره البلد .
و عشان بلدنا نقول جيشٌ واحد شعبٌ واحد .