حَدَاء جملك

أوتاد
أحمد الفكي
ما أسرع مضي الأيام بالأمس القريب كنا نترقب ظهور هلال رمضان ، و دون أن نشعر بالوقت و الزمن ها هي الجمعة الثانية من الشهر الفضيل الموافق للثاني عشر منه ، حيث لبيتُ دعوة الأخ العزيز الباشا حيدر محمد طه رئيس الجالية السودانية في حائل و تناولت طعام الإفطار معه بمنزله العامر ، و عند سماع آذان المغرب و شُروعنا في تحليل صيامنا ، قال لي بلهجة عامية و بحسه الذي يشبه حس جورج برنادشو في التهكم و السخرية : ( بالله موش حقو نفطر بعد تلاتة يوم ) كناية عن جو مدينة حائل البارد ، ضحكت و قلت له بلهجة عامية كررت له العبارة ثلاث مرات ( حَدَاء جملك .. حَدَاء جملك .. حَدَاء جملك) جاملني بضحكة ولم يفهم ما قصدتُ حتى شرحت له ما أعنيه و ستجد عزيزي القارئ ما قلته للباشا حيدر بخصوص حداء جملك في آخر الأوتاد بعد التطرق ببساطة للجمل ذلك الحيوان الأليف الذي يُشكِّل مع الناقة مسمى البعير أو الإبل و كلا مُسمي البعير و الإبل قد تم ذكرهما في القرآن الكريم .
عن البعير : قال أهل اللغة أنه يشمل الجمل والناقة كالإنسان للرجل والمرأة، وإنما يسمى بعيراً إذا أجذع، والجمع أبعِرة، وأباعر، وبُعران. وقد جاء ذكره فقط في سورة يوسف الآية 72 ( قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)
أما الجمل الذي أعنيه هو الكبير من الإبل من الفصيلة الإبلية من رتبة الحيوانات المجترة ، ذا القوائم الأربعة وهو ذكر الناقة. قد يكون بسنام واحد أو بسنامين .
إرتبط ذِكر الجمل بالكثير من الأمثال منها : الجمل بما حمل للتعبير عن التحذير من المبالغة في تقدير قيمة شيء ما، أو من الأخذ أموالًا مقابل شيء لا يستحقها.
الكلاب تنبح و الجمال تمشي ( يُقال في حالة عدم الإهتمام بالحاصل)
ما اسْتَتَرَ من قادَ الجَمَل : يضرب لمن يأْتي أَمْراً لا يمكنُ إِخفاؤُه
اتَّخَذَ اللَّيْلَ جَمَلاً : يضرب لمن يعمل عَمَلَه بالليل؛ كأَنه رَكِبَ اللَّيْل ولم يَنَمْ فيه.
الجمل في شيء والجمّال في شيء يُضرب للاثنين لا يعلم أحدهما ما يدور في خُلد الآخر ويشغل باله،
ما له ناقة ولا جمل: لا دخل له في الموضوع .
* آخر الأوتاد :
منذ عقود من الزمان مضت كنا في المرحلة الثانوية ، و شهر رمضان في السودان له نكهة خاصة حيث يميزه الحر الشديد ، الفطور كالعادة في الشارع .. في مدني الحبيبة حيث مارنجان حلة حسن وقد أخذ الجميع مقعدهم على البورش السعغية الطويلة ذات الصفين المتقابلين، وهم في لهفةٍ لسماع الآذان ، إذ قدم إلينا جَمَّال يُدعى إبراهيم تربطه صداقة مع الوالد ” طيَّبَ الله ثراه” . أناخ جمله و ربطة على عمود الكهرباء الذي يبعد حوالي عشرة أمتار من مكان الإفطار … و الحر شديد و العطش قد بلغ من الجَمَّال مبلغه ، و أذَّنَ المؤذن فإذا بالجَمَّال من شدة العطش الذي اصابه إرتشف على التوالي ما كان موجوداً من المشروبات عصير الليمون ، الآبري ، الكركدي، و الماء، دون أن يتناول من الأكل شيئاً . و ما هي إلا لحظات فإذا به يُفرِّغ ما شربه مستفرغاً في مكان جلوسه فإذا بأخي عبد العزيز حاضر البديهة يخاطبه بلهجته : ( حَداء جملك .. حَداء جملك .. حَدَاء جملك ) أي أذهب بالقرب من مكان جملك و أكمل عملية الإستفراغ .
يا لها من ذكري خالدة تذكرتها بعقد مقارنة الجو عندما قال لي الباشا حيدر محمد طه :
( بالله موش حقو نفطر بعد تلاتة يوم ) لبرودة الجو و عدم الشعور بالتعب .