تقارير وحوارات

لجانُ التلفزيون..سَاقا النعامة عورة؟

لجانُ التلفزيون..ساقا النعامة عورة؟!!

بقلم/محمدعكاشة

كادَ إرثٌ عظيم من محفوظاتِ مكتبةِ تلفزيون السودان يندثرُ ليضيعَ هباءً منثوراً تذروهُ الرياح في لُجة نهرِ النيل الذي يجري بالحياة قُبالة مباني التلفزيون بأم درمان لولا حِمية بعضِ قُدامي العاملين به يومَ دعي الداعي من وراء غيهب جهالتِه بضرورة تطهيرِ التلفزيون من الرجسِ ومن عملِ الشيطان.
كان ذلك مَطلعَ التسعينيّات كما تعلمون وكان بعض الرجسِ المظنونِ به هو مخزونٌ ثر من برامج التراث والأعمال الدرامية والسهرات الهادفة والأماديح النبوية وتسجيلات الأغاني الشجيّة لكبار الفنانين فقصيدةٌ لتوفيق صالح جبريل يتغني بها الفنان عبدالكريم الكابلي تُعد من عُيون الشعر السوداني كادت لتودي بكل تسجيلات الكابلي إلي أعماق البحر لمجرد وروُد ذكرُ الخمرِ بها ولجنةٌ مكلفة تتلظي في طوطمها تنهمكُ بجدال حول الحلال والحرام في الغناء السُوداني ولا تحفلُ بسماعِ النص الشعري في سياقاته ولا تترجي تُرجماناً ناصحاً ذا بال ولا مُعاقراً للخمر ثملانَ يصخبُ في خيالات الشُعراء المُغردين في الخمائل علي الأغصان ولا تُرخي السمعَ لمُحبٍ ذاهل أدلجَ غَسقَ الليل في حَالةِ سُكرٍ مع العارفين أمثال النابلسي والسهروردي والاستاذ عبد المحمود نور الدائم والشيخ قريبُ الله أبا صالح وهم في إستغاثاتهم العرفانيةتدورُ دِنانُ المُدامة الروحانية وكؤوسها علي العاشقين.
وعلي الرغم من أن برابرة اللجان هذي هم عيالٌ علي فكرِ الدكتور حَسن التُرابي الذي نشرَ في وقتٍ باكر رسالةً حول ” الدين والفن ” ناجزهُ فيها السلفيّون مُناجزةً ذاتُ حِجج وهو ماضٍ لايعبأ بقولهم ولا يلتفت إليهم إلتفاتةً ثم هو لا يكادُ يُخفي إعجابهُ ببعض أعمال بتهوفن وباخ وموزارت.
وقتذاكَ كادت مُخرجة معروفة تجنُ جنوناً ولجنةُ المشاهدة تقضي بإلغاء برنامج توثيقي شَقيت لإنتاجه حول السياحة بإحدي مُدن السودان ذات الطبيعة الساحرة التي تخلب الألباب بحدائقها الغناء ومناخها المعتدل ومحمياتها الذاخرة بالغزلان والطيور وبالنعام.
اللجنةُ في مُشاهدتها لم تنظر براعةَ التصوير وعُمق الفكرة وأهمية الترويج السياحي كمصدرٍ للدخل القومي وإنما قررت عدم صلاحيةالعمل لزعمهم بأن بالفلم لقطة لنعامة هرولت بساقين سافرتين مُربرتين ليقضوا بأن ساقا النعامةِ عورة .. يامُثبت العقل والدين.
عورةٌ ؟! العورةُ عتهٌ في أمِ رؤوسهم والعَوارُ داءٌ مُستبد بتفكيرهم المُلتاث وفي خيالاتهم المريضةُ وحين ذاك انفكت الشابةُ صَعِقة من إسار كونها مُبدعةٌ جندرية لتتحول إلي إمرأةٍ عادية من غِمار الناس لتصيحَ بوجوههم بعبارة اشتهرت: (..بررري يارجال التلفزيون.. تاني عاااد أنامابسألكم ) لأجعلَ من هذا الذي حدث حينذاكَ محورا لحوارٍ صِحافي مع الشاعر الجميل هاشم صديق ضمنَ محاور الدراما التلفزيونية والتي تجعلُ من المُمثلة بلقيس عوض تؤدي دورَ جدة في مشهد تمثيلي وهي في مَخدعها تتلفحُ ثوب (المرقة) بحجابٍ مُحكم كأنها في مصلاها تُؤدي فريضةَ ربها أو هي عند ميناءِ سواكن بانتظار الباخرة لأداءِ مناسك الحج ولكل حالةٍ لبوُسها بطبيعة الحال لُيجيب الاستاذ هاشم صديق حول ( الإكراهات ) والاشتراطات الغرائبية للجان الدراما بالتلفزيون والتي تلفتُ إلي غير ( المُفكر ) به في ذّهن المشاهد للعمل الدرامي ليقول بأن تلفزيون السودان بحالةِ الهوس هذه قد يدفعُ بالمرءِ إلي حافةِ الجنون.
تلفزيون السودان منذُّ تأسيسه وحتي فترةِ مُحاولات أدلجتهِ لصالح المشروع الحضاري لم يقُم أحدٌ من العاملين به للعمل على خدش حياء السودانيين بالسوء وإشاعةِ الفاحشة والتظّني بالكذب في أخلاقهم مثلما فعلت إدارة عيساوي المأمور من وراء حجابٍ يرتكسُ في الظُلمات بوعيٍ منه أو بغيرُ وعي فالذي قام بتعيينِ الرجل بتضليل مقصود ممن هم وراء المسئول من خلف الجدارن أوقعوه في الفخ ولوأنه كان يعرف عيساوي وقُدراته من ذي قبل لما اتخذهُ حليفاً لأيامٍ معدودات ناهيك عن بضعة أشهرٍ فكثير من الحُلفاءُ يضُرون ولاينفعون.
الهجمةُ المُضرية علي تلفزيون جمهورية السودان تصاعدت غضبةً شعبية ليسَ لبثِه ذاك الفلم المشئوم فحسب وإنما لعمله المتعمد المُنظم ضد ثورة الشعب علي نظام الإنقاذ فالتلفزيون رغم ضعفهِ وإنحسارُ مُشاهدته إلا أنه يُعد من مرموزات سيادةِ الوطن في نظِر غالبية السودانيين بل وما يزالُ هو قناةُ الكثيرين في الاصقاع البعيدة النائية ولقدكان بإمكان السيد رئيس الوزراء حمدوك إقالته وتسريحُ مدراء الادارات به حين غيابه عن تغطية زيارة ضيف السودان وزير خارجية ألمانيا ذات الأهمية القصوي ولكنهُ لم يفعل فالدكتور حمدوك ووزارته يمهدون لحكم مدني قد تتثاقل خطواته نتيجة متاريس تتطلب أناة وحكمة لإزالتها فلقد قامَ مُشرعُ حُكم إلانقاذ عن حنكةٍ ودراية بتجنيب مُعظم المؤسسات ذات الصلة بالوزارات المختلفة لصالح مؤسسة الرئاسة حتي لا يبقي لوزراء الترضيات الحزبية سلطة وليقنعَ أمثالُ أحمدبلال وأروو من الغنيمة فقط بإدارة المؤتمرات الصحافية للرئيس ونوابه وولاته ولا يكادُ يستطيعُ أحدٌ منهم استجواب موظف في التلفزيون أو بمجلس الصحافة والمطبوعات.
مديرُ التلفزيون المُقال جهارا نهارا بعد جدل مثمر وتداولٍ حُرٍ بلا قيود يذهبُ بقرار من رئاسة مجلس الوزراء وثمت قرارات أخري يرجوها الناس تفك قيد بعض الوزراء لاعادةِ هيكلة المؤسسات ضمن دوائر إختصاصُهم مثل وزارة الثقافة والإعلام للأهمية لتحقيق حرية.. سلام وعدالة في كافة المجالات.
السيد وزيرُ الثقافة والإعلام يلقي نفسه في مِرانٍ ساخن حول صلاحياته وإختصاصاته وقراراته في حالة نقد بناء تقبله بصدر رحب واحتملهُ بالصبر الجميل لينهض بعده هبة واحدة إلي العمل يَشحذُ همته لفتح الطريق لثورةِ المثقفين الحقيقييّن لبناء وطن كان للقُبح بساحاته بثور ودمامل.
السيّد وزير الثقافة والإعلام..إن تلفزيون السودان يحتاجُ دعم الدولة بعد هيكلته من العاطلين بإفساحِ المجال للشباب الواعدين دون عراقيل ليغدو مصدراً للخبر الصحيح والرأي النجيح خُصوصا وبعض القنوات سوف تنغلق أبوابها عند إنحسار الدعم المادي من الدولة وعند كبحِ جماح الإعلانات الحكومية الموجهة بفعل فاعل مثلما يحدث في الصحافة وكذا من المُهم ضمن أجندات الوزير فتح ملف المسرح القومي الغارقةُ خشبةَ عرضهِ في برِكةٍ من المياه ولقد قام بهجرِ مواسمهِ المُبدعونَ الخلاقون.
بقي سؤال مهم ندفعُ به إلي منضدةُ وزير الإعلام حول إدارات وزارة الثقافة والسياحة والٱثار الولائية وأوضاعها ونشاطها ومسئؤوليهاوذا سؤال جدير بالإجابة لما كانت تقومُ به من عمل مفتوح في مجال السياحة ووكالة السفر ومُهمات النشر الكتابي والاستثمارِ المُتعدد والله المستعان.
____________
صحيفة الوطن-
الثلاثاء17سبتمبر2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى