أتاننا الذكية و الحمار العنيد

أوتاد
أحمد الفكي
عندما كنا صغاراً كانت لدينا أتان ( أنثى حمار) سوداء اللون عاشت َمعنا عمراً عتياً فاق العقدين من الزمان ، مطيعة و ودودة وذكية جداً ، وهي كانت لنا بمنزلة سيارة مرسيدس في ذلك الزمان، جميع أهل الفريق يمتطون ظهرها لقضاء مشاوريهم سيَّما مشوار الطاحونة لطحن الدقيق بشقيه الذرة و القمح وهو قوت عامة أهل السودان ، و ما يميز تلك الحمارة أنها تعود بمن يركب على ظهرها قافلة إلى وتدها دون عناء و توجيه و قد يكون مغمضاً عيناه ، و بلغة اليوم شأنها شأن أي طائرة مُسَيَّرة تعرف هدفها و لا تخطئه . أكثر المستفيدين منها كان أخي عبد العزيز و ابن عمنا حيدر حاج مصطفى و هما وقتذاك لم يجر عليهما القلم في المرحلة الإبتدائية حيث كانا أكثر شراهة ونهماً و التهاماً لقراءة كافة الإصدارات التي ترد من مصر فور إصدارها مثل مؤلفات اجاثا كريستي و الألغاز و أرسين لوبين و المجلات الأسبوعية والنصف شهرية دون إنقطاع ، متعهما الله بالصحة والعافية فكانا يستغلا تلك الأليفة( التي لا يسمح لها بدخول رواكبنا و أوضنا) يومياً بعد العصر و يعودا بدخلٍ يتيح لهما الذهاب به إلى سينما الخواجة ، الوطنية أو الأمير ،. وهذه هي دور العرض الثلاثة التي كانت في مدينتنا مدني . عند نفوقها حزن عليها الجميع و يا لها من أتانٍ ذكية .
أما عن الحمار العنيد فإنها قصة قد تكون من قصص كليلة و دمنة او من نسج خيال القاص، حيث يُحكى أنَّ رجلاً إشترى حماراً فأعجب به أيَّما إعجاب ، وذات يومٍ أراد أن يُصعِد الحمار إلى سطح المنزل ليريه منظر القرية من فوق السطح ، فأخذ يطلع بالحمار عتبة .. عتبة ، حتى وصل لسطح البيت فتركة دون قيد و رباط، و أحضر له من العلف و الماء ما يكفيه لعدة أيام .
في ذات يوم قرر صاحب الحمار أن ينزله من سطح البيت بعد أن شعر بإزعاج سببه الحمار نتيجة الرفس الذي كان يقوم به بين الفنية و الآخرى ، فماذا كانت النتيجة الغير متوقعة!!!!! لقد رفض الحمار النزول من على سطح البيت وأصبح يرفس بصورة مستمرة و يصدر نهيقه المعروف بأنكر الأصوات و لم تفلح أي وسيلة أو حيلة معه كي ينزل من السطح فتركه صاحبه وطلب من زوجه و أولاده إخلاء البيت ووقتها مارس الحمار العنيد الرفس و الضرب بقوائمه الأربعة حتى إنهار السقف ووقع الحمار على رقبته كاسراً إياها مفارقاً للحياة و دمه قد ملأ المكان ، فنظر إليه صاحبه بحسرة و لسان حاله يقول : أنت لم تكن على خطأ بل أنا من يتحمل الخطأ . .
* آخر الأوتاد :
I منذ دخول العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم ١٤٤٤هجرية ها هو سوداننا الحبيب بسبب عنادٍ ما من جهة ما تعيش العاصمة في أيامٍ عصيبة من الهلع و الفزع ليل نهار يتخللها أصوات الرصاص وهزيم المدافع المُنتج لأعمدة الدخان التي تعانق عنان السماء و الدماء تسيل في الشوارع وداخل المنازل جراء الرصاص الطائش الذي يدخلها دون إستئذان فأدى لفقد الكثير من الأرواح و مخلفاً الجراح بسبب قوة عسكرية رفضت الإنصياع للتعليمات و تمردت بعنادٍ وركوب رأس ، ألا ترون قصة الحمار العنيد قد أطلت براسها هنا ، دون شك سيخر السقف على من تمرد و رفع السلاح في وجه أعرق جيش مشهود له بالكفاءة منذ تأسيسه .
جيش واحد .. شعب واحد
اللهم أنصر جيشنا