بقلم/محمدعكاشة
“الصدقْ كان ماحَلاك الكِذّب مابِحلك”
…
الشيخ فرح ودتكتوك البطحاني من لُدن مملكة الفونج حيث عاشَ ماتزالُ أقوالهُ خالدةً عبر الأزمنة.
العَسسُ يطلبُون هارباً لاذَ ببيتهِ ليأمُّره بأن يختبيءَ تحتَ تلةِ عشبٍ في فُناء منزله.
حينَ جاءَ العسس يسألوُنه عنه أشارَ إلى كومةِ القش من أمامهِ.
أمعّنوا النظرَ إليه مَليّاً في همهمةٍ خفيضةٍ:-
( شيخٌ عجوزٌ خَرِفٌ بهِ جِنّة إذ كيفَ يتأتى لهاربٍ الاختباءَ في كومةِ عشبٍ مَدخلَ الدار) ثم انصرفوا ليخرج المطلوبُ يَندهش لنجاتهِ ليّرد لهُ الشيخ فَرح بالعبارةِ أعلاه تخُّلد حكمةً تَدّلُ على أنّ الصدقَ المُطلق كَذبٌ مطلق.
حالةٌ أخَرى بَديعة..
سُعَاد محمدالحسن الطالبةُ بمعهد الدراسات الإضافية جامعةَ الخرطوم مَطلعَ ثمانينات القرنِ الماضي تستغربُ حضورَ رجلٍ أَشعثَ أغَبرَ في هندامً غيرُ متناسقٍ وسطَ حفاوةَ أساتذة الجامعه يُقدّمونَه لهم مُحاضراً يقومُ بتدريسهم.
الرجلُ في هَيئتها ذي يغدو هالةً من ضوءِ يقِقْ في سنواتِ عمرها الخصيب وهو ذاتهُ حالةُ صدقٍ مُطلق.
تزوجا وقد كان الزواجُ حكايةً في تفصيلاته وترتيباته بين مصدقٍُ ومُكذّبْ :-
«عندَ المْساء اشترينا (جردل) فُول وذهبنا الى بيت أخت عمر، الوحيدة التي حضرت عقد القرآن من أصدقائي هي سهير عثمان قوليب وفي المساء تجمع أصدقاؤنا في بيت أختو، حسب الرسول كمال الدين شال العود وغنى وأصحابي غنوا لي.
وانا ذاتي غنيت فاصل في العرس، وناس بيتنا ذاتهم اشتروا عشاهم من الدكان».
قصّةُ زفافهِما هذي هي أدخلُ في حالةِ الصدقِ المُطلق كذبٌ مُطلق فالناسُ وقتها تستطيلُ الأيامُ بالأفراحِ والبهارجِ والزيطةَ والزمبْطريطة بيدَ أنّ الرجلَ ذاتهُ المولودُ في قريةِ “المتمة” من أعمالِ مدينةِ شندي كانت حَياتُه ومحاضراتهِ وأشعارهِ وغُرابةِ اطوارهِ أقربُ إلى الجُنون مما يلَحظهُ العامة ومما لايُدركُ عُمَقهُ الرجِرجةُ..والرجرجرةُ على قول الإمامِ عليٌّ كَرّم الله وجَههَهُ هم الذين “إذا اجتمعوا ضَرّوا وإذا تَفرقُوا لم يُعرفوا” وهؤلاء في حالةِ الرجل همُ الساسةُ قادةُ الأنظمةِ الشموليةِ فاسدُو الذَوقِ والإحساسِ يُناصبوَنهُ العداءَ يُطاردونَه يُغالبونَ حياتهَ.
الصدقَ المُطلقْ كَذِبٌ مُطلق والشيخ فرح يرقبُ نسوة ٌفي الحارةِ المُترفةُ أقصَا المدينةِ يكَذبنَ في حُب الزوج والوالدِ والولدْ يَدعيّن الصدقَ المُطلق غير أن سُعاد مُحمّدالحَسن ليست مِثلهنْ فهي تصدقُ الرجلَ الحُبَ بقدرً تبذّلهُ ثم هو يُقدمُ صحائف حُبٍ لاكفاءَ لهَ بين الناسَ يَتعشَقُها من قديمٍ قبلَ التَكشفِ باللقاء ولهفةَ الأشواق في حَالةِ صِدقٍ مُطَلق أقربُ إلى الكذبْ في إطلاقْ حِين يُنشّدُ:-
ولا الحُزنَ القديْم
إنتِ
ولا لونَ الفرح
إنتِ
ولا الشُوق المَشيتْ بيهو
وغلبْنى أقيف
وما بِنْتِ
ولا التذّكار ولا كُنْتِ
بتطْلَعِى إنتِ من غابات
ومن وديان
ومِنى أنا
ومِن صحْيَة جروفَ النيل
مع المُوجَهْ الصباحيَّه
ومن شهقَة زُهور عطشانَهْ
فُوق أحزانهْا
متْكَّيهْ
بتَطْلَعى إنتِ منْ صُوت طِفلَهْ
وسط اللمَّهْ منْسيَّهْ
تَجينى
معاكَْ يِجينى زَمنْ
أمتِّع نفسى بالدهشَهْ
طّبول بتْدُق
وساحات لى فرحَ نَوّر
وجمّل للحُزن..ممْشى
وتمشي معايَ
خُطانا الإلفَهْ والوحشَهْ
وتمشى معاي…
وتْرُوحي
وتمشى معايَ وسط رُوحي
ولا البلْقاهو بِعْرِفني
ولا بعرِف معاكْ..رُوحي