مصطفي سيد أحمد يأخُذك عنوةً لأكواخِ الفُقراءِ وحواشاتِ المُزارعين والهائمينَ علي أرصفةِ المُدن

مصطفي سيد أحمد يأخُذك عنوةً لأكواخِ الفُقراءِ وحواشاتِ المُزارعين والهائمينَ علي أرصفةِ المُدن
بقلم/مُحمد عُكاشة
تِسعينيّاتُ القرنِ الماضي في تلفزيون جُمهورية السُودان رجِالٌ في لجنةٍ طوطمْ يختصمُونَ عندَ “ القُبلةِ السَكري ” للشاعرِ العفيفِ حُسين مُحمّد سعيد بازرعة.
يَتلاحي هؤُلاءِ حِقبتئذٍ عندَ مُحمد محمّد علي في خَريدتهِ البديعة:-
سَكِرَ السُّمارُ والخَمارُ فى حانِ الغرام
وأنا الصَاحي
أري فى النورِ أشباحُ الظَلام
وبَدت كأسي علي راحي بقايا من حُطام
ثمَ ذاتُ القومْ يتقحَمُون الفُتيّا ظاهراً بغيرِ علمٍ عندَ صاحبِ “جنة العشاق” توفيق صالح جبريل وقد برّحَ بهِ الشوقُ إلي الصِحابِ في شرقِ السُودانِ يشدو:-
ظلت الغيدُ والقواريرُ صَرعي والأباريقُ بتنّ في إطراقِ
ائِتني بالصبُوحِ يا بهجةُ الروحِ
تُرحني إن كانَ في الكأسِ باقِ
..
هؤلاء إذاكَ لم يقرأوا الإمامَ أبو حَامد الغزالي في مَباحثِه حولَ “السماع” ولم تكَتحلُ أعينهُم بكتابِ الحُب لإبن حزم الأندلسي الظاهري” طوقُ الحمامه” بل ولم يُطالعُ هؤلاء رسالةَ الفن للشيّخ حَسَن التُرابي الذي تأسست لجنتهُم الضِرارُ هذي وفقَ ترؤسهِ إنقلابُ الإنقاذ.
منُتصف التسعينيات وحربٌ شعواءَ ضدَ الفن والحياةِ العامة استطاعَ صاحبُ “حصاد” للإنتاج الفني في مُغامرةٍ باهظةَ التكاليف من إنتاجِ بعضِ الأعمالِ الغنائية لكبارِ الفنانين رغمَ عَسفُ السُلطة وهوسُ اللجانِ المُتكاثرة باللجاجةِ والفَهاهةِ وفسادِ الذّوق.
حِينذاك يَنهدُ شاعرٌ غنائي عبرَ أداءِ عددٍ من الفنانين ذائعُو الصِيت وقَتها.
هو متعددُ المواهبِ يكتبُ ويرسمُ ويدوزنُ الألحانَ وقد نشأ في بيئةٍ لم يطمثْ نقاءها صَخابةٌ فاسدُ الذوقِ عَكِرُ المِزاج ففي حي ” البيان ” بحاضرةِ الإقليمِ الأوسطِ وعلي مَقرُبةٍ من ضفافِ النيل والدباغة عاشَ هُنالك وعندها كانت مدينةُ ود مدني بيتٌ واحد تتصَاعدُ فيه صَرخاتُ الميلاد ليرتدَ صداها إلي قلبِ كل أمٍ وأبٍ وخالٍ وعمٍ من أهلِ المدينه.
الشاعرُ مدني النخلي في مؤانسةٍ بديعة نسمرُ وهو يستفززُ قُدرتي علي ملاحقةِ افاداتهِ وتقيِيدها وهو من لدُن البدايات في المرحلةِ الإعدادية بالاتحاد المِصريه كان مُولعاً بالرسمِ والتشكيل وحازَ جائزةَ أفضل لوحة بعنوان (الضفاف) ثم هو يُمارس هوايةَ التمثيل مع فرقةِ المدرسه ثم كتابةِ القصة القصيرةُ والشعر.
مدني النخلي يحترفُ كتابةَ الشعر الغنائي بأولِ تجربةِ غنايئه له مع صديقه ابن مدينة ود مدني محمد سلام في “ عيونك يابلد” والتي نالَ بها المركزُ الثاني في مهرجان الإبداع بالجزيرة في العام 1983م ولاقت استحسانَ الحاضرين غيرَ أنه يقفزُ إلي الأعلى قولاً واحداً مع مصطفى سيد احمد في عَشم باكر ومابان عليك سفر ..واديني احساس بالأمل وواقف براك والهمْ عَصف.
مدني النخلي في تطورٍ مُضطرد لم يَتأبد في حالٍ واحد ليقوم الموسيقار يوسف موصلي يرسم لوحةً زاهية عندما قام بتلحين ”فرحانه بيك كل النجوم” التي تَخذّها الفنان علي السقيد بدايةً في مسيرة أعماله الخاصة والنخلي باعتقاده أن يُوسفَ الموصلي هو علامةٌ فارقه في تجارب الغناء الجاد وأن تجربة كل النجوم التي تغني بها السقيد وهو وقتها خريجٌ من معهد الموسيقى كان يتوقع أن يُغنيها الموصلي لكنه لروعتهِ آثرَ بها صديقه.
الشاعر مدني النخلي في مسيرته منذ البدايات الاولي يشغلُه إسهام عمالقةِ الحقيبه والشعر الوطني وقصيدةُ الوسط.
النخلي يتداعي في حريةٍ طليقة:-
(حاولت جاهداً ان أجد لصوتي قاموسٌ آخر وإن كان هنالك ما استهوتني عباراته من الرواد مثل تجاني سعيد والدوش والكتيابي وعميري وقبلهم محجوب شريف الذي قدم ديواني واقف براك غير أن مرحلة مصطفي سيد احمد كانت موثقاً لفهمٍ وفكرٍ مُتقدم وعلاقاتٍ حميمة بين الشعراء الذين تناول اعمالهم فمصطفى سيد احمد اخٌ قبل أن يكون فنانٌ يُقاسمك الهمَ والفرح ويأخُذك عنوةً لاكواخِ الفُقراءِ وحواشات المُزارعين والهائمينَ علي أرصفةِ المُدن لذا كانت أصواتٌ أغنياته تُشكل لوحةَ تكاملٍ لوطنٍ حلُم به وجاءه من حِليوة بقدال ومن نهر النيل بقاسم أبوزيد ومن كردفان بمحمد مُريخه وحُميد درويش الشمال وفلاحُ أراضيه التي حَمل لونها وأهله في كل بقاع الأرض السودانيه بل والعالم وتواصلت عبر الازهري محمد على والعودةٌ الي ذلك الحوار الذي لاينتهي بين الحقيقةِ وبين من حاولوا ليَ عُنقها ومشروعُ حُلمه الفسيح
صوتاً يُطاردُ الزيف أينما كان.
عند مصطفى التقيتُ يحيي فضل الله الذي تعلمتُ من كتاباته ما لا يُحصي ولازلت اقتفي ظلهُ المرسومُ علي رملِ المسافة ويُصرُ على مُواصلة المسير.
ثم صلاح حاج سعيد عندما نلتقي في المساءِ وتأتي سيرةُ الأيام العطرة ومصطفى يُقاوم قسوة البُعد ويُعيدُ شريط الامسيات يرُدد صلاح ..كان نفسي اقولك من زمان.. رومانس ورهافةُ حسٍ وتدفقُ كلماتٍ لا تنتهي ليردَ عليه صلاح عَدى فات لتخيلُهِ أمل العودة.. ليُقرُها في أسطرٍ :-
جينا ليك شُوق في عُيونا
وفي عُيونك شُوق يُناغم )
رحم الله مصطفي سيد أحمد رحمةً واسعة.