أعمدة

السودان وإسرائيل..جدل المصالح وضرورات التطبيع

 

بقلم/محمد عكاشة

أغسطس 2020

______________

الإقتراب الموضوعي والتحليل المستقصي لبحث ضرورات الاتفاق بين الخرطوم وتل أبيب علي أجندة عمل مشترك يقتضي إقبالاً جدياً يدرس الظروف والملابسات وفقاً للمعطيات التي أملت مايتواتر من أخبار وما يتسرد من تصريحات متسلسلة من بعض وزراء حكومة تصريف الأعمال الاسرائلية بالنظر إلي المصالح الراجحة للبلدين وحتي لا يستسخر بالسؤال أو المقال بعض المنشغلين بقضية الصراع العربي الإسرائيلي وهم يتحسرون دوافع السودان وحوافزه ليستردف قافلة المشائين في سكة التطبيع مع إسرائيل مثله مثل شركاءه في (الجامعة العربية) ممن لم يلتزم قراراتها بالمقاطعة ولإجابة سؤال هولاء وأولئك وعلي سبيل الإستلزام المنطقي لابد من إضاءة ناحية مهمة حول مواقف السودان الموثوقة تاريخياً من القضية العربية فمنذ العام 1948 شارك الجنود السودانيون من قوة دفاع السودان في حرب فلسطين في شجاعة نادرة ثم لتلحق فرق الهجانة السودانيين بالجيوش العربية في حرب الأيام الست في العام 1967م بل واحتضنت الخرطوم عقب شهرمن نكسة يونيو /حزيران مؤتمر (اللاءات الثلاث) في التاسع والعشرين من شهر أغسطس ولقدظل السودان باستمرار لايألوا جهداً داعماً للقضية الفلسطينية وداعماً للسلام في الشرق الأوسط علي إختلاف أنظمته السياسية ثابتاً لا يتزحزح يؤكد حقوق الفلسطينين في أرضهم إستحقاقاً يشجب العدوان ولايمتري الحق بإلاستقلال بدولتهم ولقد استبد بالشعور العام أوبالمزاج السوداني حالة عداء لإسرائيل تتفاقم كل حين بالإعتداءات المتكررة لإسرائيل علي الشعب الفلسطيني في إنتفاضته المطالبة بحقوقه وهو شعور ناجم عن رفض السودانيين للظلم قولاً واحداً سواء وقع هذا الظلم علي أمة العرب في رام الله أو في حرب الإبادة الجماعية التي شنها القادة المتطرفون من قبيلة الهوتو ضد أقلية التوتسي في رواندا ثم إن إحتجاج السودانيين يستمر يتصاعد ضد المظالم الواقعة علي
المسلمين في الشيشان والبوسنة بذات القدر الذي يشجبون به إعتداءات المتطرفين المسلمين العرب علي برجي مركز التجارة الدولية في منهاتن ومقر وزراة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في الحادي عشر من سبتمبر2001م.
عند إنقلاب البشير/الترابي في الثلاثين من يونيو عام1989م بلغ العداء لإسرائيل ذروته
علي المستوي الرسمي حين كشف النظام عن توجهاته الإسلامية لتأخذ ترسانته الإعلامية تضع علي عاتقها مهمة تكثيف شعارات الكراهية المعادية للغرب والمنادية بالموت لإسرائيل ومذاك الحين وحتي سقوط حكم البشير لم تمت دولة إسرائيل ولم ينهض السودان من وهدته يتردي في أزماته ولقد شهدت سنوات النصف الأول من عقد التسعينات إعلاناً يترسم لمشروع أممي إسلامي علي طموحه أسس الدكتور حسن الترابي المؤتمر العربي والإسلامي حيث تداعي إلي الخرطوم المجاهدون الأفغان والجماعات الإسلامية المصرية وحركة حماس والفصائل الفلسطينية المختلفة بمافيها جماعة صبري البنا ابونضال ثم جاءيسعي واثق الخطو الشيخ أسامة بن لادن يستثمرتحت غطاء شركة (وادي العقيق) بل وقامت حكومة البشير بإخفاء الأرهابي الدولي كارلوس قبل أن تبيعه بثمن بخس إلي حكومة بلاده.
هذا كله وضع السودان علي المحك وفي حالات استعداء مقيته لكل دول العالم دون سبب بل وانتقل النظام إلي مرحلة المجابهة تجلت حين قام جهاز
الأمن والمخابرات بالإشتراك مع الجماعات الإسلامية المصرية بمحاولة إغتيال فاشلة للرئيس حسني مبارك إبان زيارته للعاصمة الإثيوبية ليتمادي نظام الإنقاذ بقيادة الدكتور الترابي في إثارة القلاقل لدول الجوار الافريقي بالعمل الأمني والعسكري لتغيير أنظمتها بل ولم تسلم من الأذي دول الخليج
بعلاقاتها الوثيقة ومصالحها المتعينة مع السودان وشعبه وذلك بانحياز النظام يدعم إجتياح الرئيس العراقي صدام حسين لدولة الكويت هذا فضلاً عما حفل به سجل حقوق الإنسان من إنتهاكات بالغة العنافة ضد المواطنين والخصوم السياسيين ليفرض العالم حصاراً إقتصادياً وسياسياً محكماً علي السودان يحظره ويعزله ويستصدر بشأنه عقوبات دولية أفضت به إلي قائمة الدول الراعية للإرهاب.

مانكتب هنا نتوجه بمعناه ومبناه للذي يقرأ من غيرأهل السودان وعليه فإن نظام البشيروهو ينتهي بثورة شعبية ملهمة يضع أحمالاً ثقيلة تتعاظم علي حكومة الفترة الانتقالية خصوصاً ثوب العلاقات الدولية المهلهل ذي الثقوب وهو ما يتطلب جهداً مضافاً لتحسين صورة السودان في العالم وفي هذا الصدد فإن زيارات الدكتور حمدوك رئيس الوزراء وجدت استحساناً وقبولاً إقليمياً ودولياً حتي جاء لقاء عنتيبي بين رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس الوزراء الإسرائيلي في الثالث من فبراير مطلع هذا العام محاولة لإختراق حاجز العزلة المفروضة علي السودان فالتقارب مع دولة إسرائيل بحساب المصالح يدعم الخطي لتسريع الإجراءات بخصوص رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لما تحظي به إسرائيل من مكانة لدا الإدارة الأمريكية وإن القول يطلقه البعض علي عواهنه بأن إسرائيل لاتملك قدرة المساعدة في هذا الموضوع قول مردود فلدولة إسرائيل مصلحة لتضطلع بدورفي هذا لما ظلت تكابده من تهديدات لأمنها جراء علاقات نظام البشير بدولة إيران والمزاعم حول الأخيرة بدورها في تهريب السلاح إلي قطاع غزة سراً عبرالسودان.
إسرائيل دولة مؤسسات ولذا فإن الأدوار تتكامل وتتسق في انسجام بين أحزابها وكياناتها الثقافية والاجتماعية وصحافتها التي تلعب دوراً بالغ الأهمية يتقدم لتشكيل إتجاهات الرأي العام الإسرائيلي وبلورة مواقف دولتها واستراتيجياتها وسياساتها العليا ولذا فإن كبريات الصحف مثل هآرتس ومعاريف ويديعوت احرونوت نهضت بدروها تكشف عن حيوية المصالح التي يمكن تحققها لو تم إتفاق مع السودان الذي يقوم كياناً إيجابياً بين الشرق الأوسط وأفريقيا وبما يتيحه مجاله الجوي للطيران التجاري من مكاسب فضلاً عن الإستفادة من الرقعة الزراعية الخصيية للتعاون في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني بما تتشاركه إسرائيل بتوفير التكنولوجيا اللازمة للزراعة في السودان هذا بالإضافة إلي المسعي الحثيث للسيدنتناياهو بين يدي الانتخابات القادمة يقدم نفسه للداخل باعتباره رجل الدولة الخارق يكسر القيد بإبرام إتفاقات مع دول استمرأت العداء مع أسرائيل خصوصا وهو يجابه جماعات اليمين المتطرف وخيبات أمله فيه يتهمونه بالعجز وهويتلكأ في ضم أراضي من الضفة الغربية.
ثم نقطة مهمة ترتب مصلحة عاجلة للسودان ففي تصريح وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين في معرض رده علي وزير الخارجية السوداني عمر قمرالدين بوجود اتصالات بين البلدين تضمنت أجندة العمل بها استعادة المواطنين السودانيين الذين تسللوا لواذاً إلي دولة إسرائيل هرباً من حملات الإبادة الجماعية التي شنها النظام السابق علي قراهم في دارفور وبما قاده من حروب في مناطق أخري.
عود علي بدء..
فإنه من الضروري الافادة لإستقراء موقف الشارع السوداني وردود أفعاله بخصوص جدلية التطبيع مع إسرائيل التي تتصدر الأخبار حيث لم تعدهذه القضية تقع ضمن دائرة (المحرمات) فهي لاتشغله مع انشغالاته مع حكومته لتحسين معاش الناس ولتصحيح مسار الثورة للوفاء بمطلوباتها ومستحقاتها في الحرية والعدالة الاجتماعية وتدعيم السلام غير أن ذلك لايعني الإستهانة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع الاحتفاظ بحق
السودان في استدامة علاقات دولية قائمة علي الندية والمصالح المشتركة وحريته في التطبيع مع من شاء مثلما صرح السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس في رسالته إلي حكومة السودان بقوله:-
(أنت حر في سياستك الداخلية والخارجية، ونحن لا نملي على أحد شيئًا التطبيع مع إسرائيل من حيث البعد المصلحي سراب زائف).
صفوة القول بأن التفاهمات التي تمت وتجري بين الخرطوم وتل أبيب منذ مطلع هذا العام تجعل فرص التعاون بينهما ممكنة وإحتمالات توقيع إتفاق وارداً ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى